ترجمة/ كاميل صبريrnكان موقف الحكومة العراقية عنيداً في تحديه لمسودة معاهدة 1923. وفي 29 كانون الاول عقد عبد المحسن السعدون الذي خلف ياسين الهاشمي بصفته رئيساً للوزراء اجتماعاً لمجلس الوزراء وكان الرأي ان المسودة لم ترق الى التطلعات الوطنية.
وفند مجلس الوزراء حجة الحكومة البريطانية بأن امد المعاهدة الجديدة وفقاً لقرار مجلس عصبة الامم يجب ان يسري على الملاحق وكانت هذه الحركة تكتيكية الغرض اذ ليس لها سند قانوني لذلك لم يكن من الصعوبة بمكان على لندن رفض هذا الاقتراح كما طالبت الحكومة العراقية في مقترحاتها بان تعدل المقترحات البريطانية لتنطوي على ذكر ان الطرفين يعزمان عقد اتفاقية بينهما وان تعلن لندن عن ان امد الملحقين العسكري والمالي هو اربع سنوات وان تعرب عن استعدادها للدخول في مفاوضات لتعديلهمالم تكن لندن في موقف لتستجيب مع طلبات العراق فقد نظرت الى الالتزامات في المعاهدة وفي الملاحق على انها غير قابلة للفصل والاكثر من هذا فان عصبة الامم قد اشعرت بان الوثائق الجديدة لا تنطوي على اي شيء يمكن او يجب تعديله من قبل ان يصبح العراق عضوا في عصبة الامم لكن (بورد يلون) من جانبه اقترح على لندن ان لا تتعنت في موقفها: (ان التوقع من هيئات غير جريئة كمجلس الوزراء العراقي والبرلمان ان تقبل نفس المعاهدة لمدة خمس وعشرين سنة على اساس تكرار وعود وحسب ولم تنفذ بعد كمن يطلب الثريا) فتدخل الملك فيصل الاول عندما ايقن ان المفاوضات بين الحكومتين اوشكت ان تصل الى طريق مغلق. وتعاطف (بورد يلون) معه لذلك طلب من وزارة المستعمرات تعديل المسودة ليدرج فيها بان الطرفين سيواصلان المباحثات من اجل اعادة النظر في الملاحق وان لندن ستأخذ بعين العطف قضية انضمام العراق الى عصبة الامم لكن لندن رفضت رأي دار الاعتماد. لقد كانت انعكاسات القرار البريطاني سلبية على الموقف السياسي في بغداد فالحكومة العراقية كسبت تأييد الوطنيين الذين ظنوا ان الوقت قد حان لادخال تغييرات جذرية في الاتفاقيات مما شجع الحكومة على التمسك بموقفها. وفي 8 كانون الثاني 1926 قدمت لندن الى الملك فيصل الاول والحكومة العراقية ما يشبه الانذار النهائي: (يجب على الحكومة العراقية ان تفهم ان مسودة المعاهدة كما هي عليه تمثل السبيل الوحيد الذي في وسع حكومة صاحب الجلالة ان تنال به للعراقيين الحدود التي يعدونها اساسية لمستقبل وجود العراق فاذا هم رفضوا قبول هذه المعاهدة او اذا خلقوا مصاعب في طريق قبولها فليس لهم ان يتوقعوا مساعدة في المستقبل من حكومة صاحب الجلالة) والاكثر من هذا فان لندن سوف تطلع عصبة الامم على رفض الحكومة العراقية للمعاهدة الجديدة وستطلب منها تعيين مسألة الحدود بالطريقة الي تراها مناسبة. ومع ذلك فان عبد المحسن السعدون رفض تحمل عبء المسؤولية وحده فقدم استقالته فاسرع كل من الملك فيصل الاول وبورد يلون الى استدراك الموقف خشية وقوع ازمة سياسية فقد كان واضحاً لهما انه لن يعثر احد على رجل دولة عراقي اخر يقدر على القيام بهذه المهمة وذلك لان السعدون كان يتمتع بالاغلبية في البرلمان ثم ان اي رئيس وزراء جديد يتولى المسؤولية سوف لن يفعل ذلك ما لم يطمئن الى ان لندن سوف تمنحه بعض التنازلات وهكذا تحرك الملك فيصل الاول ليمنع انهيار الحكومة وقام بورد يلون من جانبه بالضغط على وزارة المستعمرات لاحتواء اقتراحاته السابقة في صيغة ما. فوافق (ايمري) وقد اعطى تبريره على اعتبار ان التعديلات سوف لن تلزم الحكومة البريطانية بتعهدات جديدة وفي 13 كانون الاول وقعت الحكومة العراقية على المعاهدة الجديدة وبعدها باسبوع نالت مصادقة البرلمان ومع ذلك فثمة اسئلة تستدعي الاجابة.لماذا اعتمد الملك فيصل الاول اسلوباً توفيقياً حيال المعاهدة؟ هل كان عبد المحسن السعدون واثقاً من جدوى وحكمة معارضته لها؟ ما الدور الذي أداه الوطنيون؟ فقياساً على تكتيك الملك فيصل الاول في مرحلة المفاوضات ومن ثم المصادقة على المعاهدة الاولى فانه الان قفز الى الجهة الثانية من النهر فقد تحرك بين الاطراف والحكومة العراقية والحكومة البريطانية بمهارة الوسيط النزيه واحيانا لم يكتم احاسيسه فتبنى موقف المتعاون فكاد يتلاشى عناد الملك فيصل الاول وقته في زرع المتاعب في طريق المعاهدة فلابد ان يكون وراء ذلك جملة اسباب ربما ان الملك فيصل قد بلغ قناعة جديدة بعد عيشه وفحصه للميدان السياسي واطلاعه على مقاصد ومواقف وتكتيك المشاركين الاخرين مما دفع به الى الظن بان تكتيكه السابق لم يكن ملائماً ففي اكثر من مرة تبدى الملك فيصل الاول خلال هذه الفترة بانه حريص على الظهور بمظهر المشارك الجاد وان مقصده ليس نيل تنازلات اساسية او خلق متاعب للعلاقات العراقية- البريطانية. كما انه لم يعمد الى سياسة (حافة الهاوية) لكونها السبيل الوحيد لكسب الاهداف الاستراتيجية فالموقف الراهن لم يستدع منه ان يصر على المطالبة بالاهداف الكبيرة بل غض النظر عنها مرحلياً لتحسين موقع تكتيكي، من هنا يجب ان لايفهم من موقف الملك فيصل الاول الان بان نظرته الى العلاقات العراقية- البريطانية قد مرت في تغيير جوهري فلقد ادرك وهو رجل الدولة ا
وثائق عراقية ..عندما تدخل الملك فيصل الأول لمصلحة عبد المحسن السعدون
نشر في: 2 مايو, 2010: 05:57 م