فخري كريم
(1)
في الوقت الذي تزداد فيه النقمة الشعبية على تدهور الخدمات وسوء الأحوال المعيشية، واتساع دائرة الفساد وعدم وضع حدٍ لمسلسل الإرهاب وقطع دابره،
يشتد الصراع بين أطراف الحكم وتدور المناورات خلف الكواليس ويجري التداول بين فرقاء التحالف الواحد، ومع الخصوم حول سبل إسقاط الحكومة الحالية، وتدبير اصطفاف مريح للمرحلة التالية.
ينخرط الجميع في هذا المسعى، بصيغٍ وهمةٍ تنسجمان مع نفوذ
وموقع كل طرف ودوره المحتمل القادم، وفقاً لحساباته ومصالحه.
اللافت أن كل هذا يجري دونما أي حسبان لانعكاساته على الوضع القائم وقدرته على تخفيف أو مفاقمة مظاهر الأزمة أو الأزمات المستفحلة في البلاد ومدى استجابة نتائجه لمطالب المواطنين أو تعارضها معها. ويبدو واضحاً للعيان أن المراهنة على إنجاح هذا المسعى تعتمد، ولو ضمنياً، على شل قدرة مؤسسات الدولة وتجميد الأوضاع في مرافقها على ما هي عليه، والحيلولة دون اتخاذ أية خطوة باتجاه تلبية المطالب التي عبرت عنها قوى الاحتجاج الشعبية في سائر المحافظات وسقط جرّاءها عشرات الشهداء ومئات الجرحى.
إن الحراك والتجاذبات تتجاوز، كما كانت عليه الأحوال منذ "العهد الوطني" العتيد، المصالح المباشرة للمواطنين، لتتركّز على الحصص والمغانم والمواقع ومراكز القرار التي تتحقق من خلالها المصالح الضيّقة، ولو على حساب لوعة ومعاناة المواطنين واستمرار الأجواء السلبية المحيطة بهم والمحبطة لآمالهم.
وإذا كان منطقياً من باب المصالح المحسوبة أن تنساق الأطراف والملل المتحالفة والمتخالفة في هذه المناورات والصفقات، فان دخول الحكومة أو المالكي تحديداً كطرفٍ ضالع فيها، في الضفة الأخرى، مدعاة تعبير عن عمق الأزمة من جانب وتساؤلٍ من جانب ثانٍ عن الإمكانية الفعلية المتاحة لتجاوز الأزمة السياسية المخيمة على البلاد في وقت قريب.
إن المقدمات المنطقية للازمة القائمة، ليست مجهولة أو مفاجئة، فقد نشأت مع التحضيرات الأولية لإعلان القوائم الانتخابية، وتشكيل الكتل المتنافسة، والولادات العسيرة أو القيصرية لبعضها، وطابع الإقحام والإجبار لبعضها الآخر. ولا ينبغي استبعاد تأثير العامل الخارجي ودوره في " تخليق" بعض التكوينات المتنافرة من حيث المصالح والتطلعات، دون مراعاة الطابع الوقتي لاصطفافاتها "انتخابياً" وتفاعل تناقضاتها مع اقتراب لحظة الاستحقاقات الانتخابية، والجلوس حول طاولة تقاسم السلطة.!
لقد اتضح من سير عمليات إعداد القوائم الانتخابية والتحالفات المتنافسة، أنها كانت تدور حول محور واحد، يستهدف تغيير الاصطفاف الحكومي، ومقاومة عودة السيد نوري المالكي شخصياً إلى رئاسة الحكومة، انطلاقاً من تقييم تجربته في الدورة المنتهية، وما يشخصه خصومه من نزوعه الفردي في إدارة الحكومة، وميله نحو الهيمنة على مصادر القرار في شتى مرافق الدولة وإحكام سيطرته عليها وعزل الآخرين وتهميشهم. ولم يقتصر الصراع حول هذا المحور على الطرف المنافس، المختلف سياسياً من حيث التوجهات والأهداف، بل شمل قوى التحالف الوطني وفرقاءه من "الأخوة الأعداء"، مما عقد المشهد إلى ابعد الحدود، وأضفى عليه طابع الأزمة المهددة بتعطيل العملية السياسية، وربما إجهاضها.
في مثل هذه التجاذبات، وفي ظل الأزمة التي أنتجتها، تمت الولادة العسيرة لحكومة المالكي الثانية، تحيط بها الشكوكية والقبول "الممتنع" بالشراكة التي لم تكتمل الحكومة بسببها حتى الآن، وفي أهم مفصل فيها، الوزارات الأمنية والدفاع. وأدت إلى تشكيلة هزيلة حملت معها عناصر فشلها وسقوطها.
وخلافاً لأي منطق سياسي مألوفٍ ومتعارفٍ عليه في التجارب السياسية، فان كلا الطرفين المتشاركين في الحكومة: "المعارضة المضمرة" ورأس الحكومة، يتربصان ببعضهما ويعملان خفية لإسقاطها ، كل "لغرض في نفس يعقوب"! فما هي الدوافع الحقيقية المحركة لكل طرف، وهل ينطوي مشروع أي منهما على عناصر إنهاء الأزمة وتفكيكها والدفع باتجاه استعادة المبادرة لاستكمال بناء الدولة المدنية الديمقراطية المنتظرة، وتهدئة خواطر الناس المغلوبة على أمرها وتحقيق مطالبها..!؟
يتبع..