TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الدولة المنسية وثلاثية الفساد والإرهاب والطائفية: بدعة الملثمين.. في الوقت الضائع..

الدولة المنسية وثلاثية الفساد والإرهاب والطائفية: بدعة الملثمين.. في الوقت الضائع..

نشر في: 30 إبريل, 2011: 07:39 م

فخري كريم

(8)

بعد ثماني سنوات على تبني شعار المصالحة الوطنية ، تخرج علينا وزارة المصالحة الوطنية للمرة الثانية  بـ"إعلان ملثم "

عن انضمامات جديدة إلى عملية المصالحة ونبذ السلاح . ويستدرك المعنيون بالإعلان ، أن "الملثمين" يمثلون أنفسهم و"بعض أتباع المنظمة" ويسعون للتأثير على آخرين للسير على خطى من سبقهم للتخلي عن السلاح والمشاركة في العملية السياسية .

والملثمون الجدد نازعو السلاح "الوهمي" 

 يشبهون، إن لم يأتي البرهان عكس ذلك، من انضم إلى "المصالحة الحكومية " في مختلف المراحل ، إذ لم يكشف أحد منهم عن قوام منظمته وما يحتفظ به من سلاح ، ومن شق الطاعة على قيادته وواصل حمل السلاح ، أو ظل " كامناً " ينتظر الفرصة المناسبة لاستخدامها ، لإرباك الوضع او للتأثير على موازين القوى في لحظات الحراك واشتداد الصراع على مراكز السلطة ومواقعها .

  وأصبح ملفتاً أن هذه الصيغة من المصالحة الحكومية والإعلان عن انضمام ملثمين او "سافرين" اليها يتلازم مع حملات جديدة من التفجيرات واللواصق المتفجرة واغتيالات الكواتم ، وكأن ذلك يراد منه ان يساق  كـ"ردٍ" على إعلان الملثمين او السافرين المعروفين، وتكذيب للبيانات الرسمية على " تضييق الخناق "على الإرهابيين وتصفية منظماتهم .

 وحكاية الانضمامات المتتالية إلى دعوات المصالحة، تنعكس في الوجه الآخر لها المتمثل في البلاغات اليومية عن القبض على قادة القاعدة وأمراء المنظمات المسلحة وقتل العديد منهم، وتفكيك خلاياهم وتدمير مستودعات أسلحتهم وكشف أوكارهم . وفي عملية حسابية غير معقدة، يتضح أن الإرهابيين ليسوا مجرد شبكات سرية "خيطية" التنظيم والصلات والارتباطات معقدة التمويل، بل هي وفقاً للبيانات الحكومية أكثر من "كتائب" حكومية واقل من جيوش نظامية.!

 والمواطنون الذين يتابعون الأنباء الحكومية عن الاعتقالات والمداهمات في صفوف الإرهابيين لا يطلعون الا على ازدياد عدد المعتقلين "الأبرياء" والمطالبات المتكررة  بإطلاق سراحهم، ولا خبر يساق عن تطبيق العدالة بالمجرمين وخصوصا أولئك الذين ثَبُتت الجريمة عليهم، وصدرت الأحكام بالإعدام عليهم. ومن بين الذين أجرِموا وحُكِمَ عليهم قتلةً اقترفوا أبشع جرائم الذبح والتفجير الجماعي، واعترفوا دون "شبهة" إكراههم على الإقرار بالجرائم التي نفذوها بأيديهم وبتخطيط منهم .ويتداول الناس أمثلة عن جرائم ومجرمين تقشعر من هولها الأبدان.

ويستحيل على عاقل تصديق بقاء اغلب المحكومين بالإعدام ، أحياء مضت على إدانتهم خمس سنوات وأكثر، أما لرفض محكمة التمييز العليا المصادقة على أحكامهم او أن جهة أو مسؤولاً متنفذاً تدخل لإيقاف تنفيذها او غض الطرف عنها، وقد استفاد بعض المجرمين من فسحة الوقت ودُبر لهم الهروب كما اختفت آثار البعض الآخر في حملات الهروب المرتبة من "الداخل" او لترتيبات غامضة، دون ان يُكتَشف من رَتَبَ عملية الهروب .!

 واستمرار هذه الحالة من الاسترسال في الاتجاهين المتلازمين في النشاط الحكومي، مصالحة الأفراد وعمليات الاعتقال، لا تشيع الأجواء الايجابية بين المواطنين عن تحسن الوضع الأمني وانحسار مساحة النشاط الإرهابي، وإنما تثير القلق في نفوسهم من تعذر تجفيف مصادر نمو الإرهابيين وتكاثرهم. ويزيد من هذا القلق وفقدان راحة البال، الترويع الذي يتعرضون له بعد كل إعلان عن اعتقالات جديدة لإرهابيين او انضمام "منظمات" جديدة إلى العملية السياسية. إن القوى المضادة هي الأخرى تستخدم الإعلام "بوسيلة القتل" والتخريب والتفخيخ رداً على ما "تسميه مزاعم حكومية" عن تصفيتها، ووسائلها أكثر تأثيراً وأسرع في إيصال الرسائل وأمضى فعالية على الإقناع . إن تفجيراً لاصقاً او قنبلة يدوية ، تنتقل اخبارها إلى ابعد منطقة حتى قبل أن تنقلها وسائل الإعلام. وهذا يتطلب سياسة مدروسة حكيمة ومقنعة في مخاطبة الرأي العام حول كل ما يتعلق بالإرهاب والإرهابيين والمصالحة والتصالحيين. وهذه السياسة يجب أن تتجنب في المقام الأول أي صيغة تنطوي على المبالغة والادعاء والافتراضات غير المدعومة بالاحتمالات المستقبلية. كما أن الجانب الآخر من مشهد المواجهة مع الإرهاب والخاص بالمصالحة ينبغي أن لا يذهب ابعد من حدود فعالية الأطراف او القوى التي تعلن التخلي عن العمل المسلح، وان يرتبط مثل هذا الإعلان بتقييم موضوعي منزه عن الأغراض الدعائية والمحكومة بالمزايدات السياسية والقفز على الوقائع الملموسة والمعروفة ولو على نطاق محدود .

إن الانحياز إلى العملية السياسية وهجر السلاح كأداة للصراع مع الخصوم "الوطنيين"، لا يتحدد بالإعلان وإيقاف العمل المسلح، بل يشترط حتماً، إدانة السياسة التي قادت إلى هذا الخيار بالنسبة لمن استخدموا عملياتهم ضد المواطنين وفي مناطق سكناهم او عباداتهم او ضد البنية التحتية. ويقتضي من الآخرين ممن ادعوا " المقاومة ضد الاحتلال " ان يكشفوا عن نواياهم السياسية علناً وبوضوح إلى جانب العملية الديمقراطية والتمسك بمبادئها، وإدانة النظام السابق وجرائمه والتأكيد على الانحياز لبناء الدولة الديمقراطية الاتحادية، وان لا يعتبروا الانضمام إلى العمل السياسي، ميداناً لمواصلة العمل لتقويض النظام الديمقراطي والترويج لأيديولوجية البعث ونظامه الفاشي، وتزكية جرائمه تحت اي دعاوى كانت .

إن التعامل مع الإرهاب والإرهابيين ، كـ "حالات فردية" منعزلة، لن يؤدي إلا إلى إضافة أفراد  قد لا يمتلكون غير المسميات التي كانوا يصدرون بها بياناتهم، وفي مثل هذه الحالة يمكن أن "تتزاوج" بقاياها وتتكاثر ما دام المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي يسمح بذلك، ما دامت البلاد والعملية السياسية تغرق يوماً بعد آخر في مستنقع الفساد والمحاصصة الطائفية. ومن المستحيل تحقيق أي قدرٍ من النجاح في محاصرة الإرهاب والمنظمات الإرهابية، قبل تضييق الخناق على الفاسدين وتقديم الأمثلة الصارخة منهم على الأقل إلى المساءلة العلنية وإدانتهم أمام القضاء، وهذا متعذرٌ مع استمرار الطائفية كنهج لإدارة الدولة والمحاصصة كصيغة لتقاسم مغانمها، ودافع للتواطؤ في التغطية عليها .

ويتوهم من يعتقد بان البحث عن الملثمين أو قادة المنظمات الإرهابية في عواصم الجوار والأبعد منها ايضاً، نهج يقود في النهاية إلى إعادة السلم الأهلي والاستقرار إلى ربوع البلاد . لان الخلل في الحياة السياسية والتداعيات التي تتمخض عن الصراعات على السلطة والتسويات غير المبدئية على تحسين المواقع "الذاتية" الخاصة بـ"الفرد الطامح" او "الحزب" او "الكتلة" على حساب المصالح الوطنية العليا سيفرز على الدوام"مغامرين وفلول معادية وطامحة إلى المال والسلطة" تلوّح بالسلاح من خارج الحدود او من داخلها، وتستعرض قدراتها بعمليات اغتيال جبانة او تفجيرات محدودة بتوظيف بقايا أجهزة أمن ومخابرات النظام السابق واللصوص والمجرمين الذين حررهم قبل السقوط من السجون والمعتقلات او الحواسم الذين تدربوا على القتل والسلب والاختطاف للقيام بالعمليات المذكورة .

 إن اللثام كأداة، ينطوي في الغالب على الخديعة والغدر، ولا يصلح للإعلان عن النوايا السليمة. والملثم لا يعبر عن طوّية ايجابية الا إذا تعامل بالمكشوف حين يتعلق الأمر بالقضية الوطنية، ويضع أوراقه على الطاولة،

وكلا الطرفين، الملثم والوسيط ينقصهما الجرأة على التعامل بشفافية ووضوح مع المعني المباشر بـ "لعبتهما" الشعب الملتاع بالمناورات السياسية للمتسابقين على كراسي السلطة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram