اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > فيديو > فرد حجاية.. مهنة بيع الصحف في بغداد

فرد حجاية.. مهنة بيع الصحف في بغداد

نشر في: 18 يوليو, 2019: 03:09 م

مهنة بيع الصحف تاريخها ومفارقاتها
خالد خلف داخل
لم تعرف بغداد هذه المهنة إلا في العقد الثاني من القرن الماضي وبالتحديد اثناء الحرب العالمية الاولى عام 1914 فقبل هذه الفترة لم يعرف بائع صحف أو عن كيفية ايصال المطبوع الى القارئ بالرغم من وجود كم هائل من الصحف التي صدرت بعد سنة 1911 بلغ عددها ثلاثين صحيفة في بغداد وحدها

فأول بائع صحف ظهر في بغداد سنة 1915 يدعى عبدالحسين راضي، وكان بائعا متجولا ما بين جامع الازبك بباب المعظم حتى جامع الاحمدي في محلة الميدان وبقي في هذه المهنة حتى اواخر الثلاثينات بعد أن تركها ليمتهن مهنة اخرى بسبب كبره وشيخوخته، هذا ماقاله لوالدي عندما سأله عن سبب تركه مهنة بيع الصحف أجابه بان هذه المهنة تحتاج للنهوض مبكرا قبل الفجر، وان كبره حال دون ذلك لعدم قدرته على الاستيقاظ مبكرا، وانه تعب من هذه المهنة الذي مارسها اثناء الحرب العالمية الاولى ودخول الانكليز الى بغداد سنة 1917. ومن شاركه في هذه المهنة رزيج حسين وبائع آخر في جانب الكرخ يدعى عبدالسادة، بعدها ظهر شخص يدعى (كرومي) وهو الشهيد عبدالكريم رشيد من اهالي مدينة الفضل، وقد ذكره الدكتور محمد حسين الزيدي بكتابه (السياسيون العراقيون) كان ينادي عما عنده من صحف، وكان ذلك مدعاة لحب القراء له، وكان مرحا كثير المداعبة والهزل، استشهد هذا البائع في التظاهرات التي خرجت يوم 26/ايار/1920 وهي تهتف بسقوط الاحتلال البريطاني للعراق والمطالبة بالاستقلال بعد ان سارت التظاهرات من الجسر القديم (جسر الشهداء) الى باب الاغا، فتصدت لها السلطات الانكليزية بسيارات مسلحة حاملة للجنود، وهم يطلقون الطلقات النارية في الهواء لتفريق المتظاهرين، وفي اثناء ذلك قدم الحاكم العسكري والسياسي لبغداد الكولونيل بلفور راكبا سيارته وهو جالس في وسطها شاهرا مسدسا، وما ان وصل الى محل التظاهرات اخذ المتظاهرون يرشقونه بالحجارة والحصى التي فرشت لشارع الرشيد آنذاك، واحدثت بوجهه بعض الجروح، وكان يطلق من مسدسه طلقات في الهواء تخويفا للمتظاهرين، لكنهم لم يرهبوا بل زاد حماسهم فاضطر الحاكم على اثر ذلك للرجوع الى مقره خشية ان تهجم عليه الجماهير الغاضبة، وفي اثناء استدارة سيارته هجم عليه بائع الصحف كرومي الذي كان موجودا مع المتظاهرين فاخذته الحمية، وتعلق بسيارة الحاكم الانكليزي فمسك السيارة بيد واحدة كون اليد الاخرى تحمل الصحف، فلم يتمالك نفسه لأن احدى رجليه كانت على الارض فداسته عجلة السيارة فسقط على الارض، ومرت عليه سيارة الحاكم الانكليزي من دون اي اكتراث كأن امامها لا شيء ومضت، واذا بالجماهير الغاضبة نادت (كتلوا ابو الجرايد).
يذكر المرحوم علي آل بازركان في مذكراته فيقول(لما وصلنا إليه وجدناه غارقا بدمائه، وقد تكسرت ساقاه، وفي الحال رفعته الجماهير على اعناقها واوصلته الى المستشفى، ففارقت روحه الكريمة جسده في تلك الليلة من جراء النزيف، فلما علمت السلطات المحتلة بموته اخذته من المستشفى ليلا، ووضعت جثمانه في (خان دله) الواقع في سوق البزازين، وقد اتخذته السلطات الانكليزية مقرا لدائرة الامن الداخلي، وما ان صبح الصبح حتى خرج محاسب المدرسة الاهلية السيد طه لطفي البدري وقد لبس السواد، وفي يده علم اسود وهو يجول في الاسواق والطرق وينادي بالاستقلال، ويدعو الناس الى التجمع للذهاب الى (خان دله) لتسلم جثة الشهيد، فما لبثت الحوانيت والمحلات التجارية في بغداد ان اغلقت جميعها وتوجهوا الى (خان دله)، وتم تسلم جثة الشهيد كرومي بائع الصحف، وفي اليوم الثاني جرىتشيع الشهيد كرومي عقب صلاة الظهر، وشارك فيه جمهور كبير قدر عدده بما يزيد على الثلاثة آلاف مشيع، وسارت الجنازة من محلة الفضل حيث تسكن عائلة الشهيد، وتوجهو بها نحو جامع الشيخ عبدالقادر الكيلاني، ثم ساروا بها نحو القنصلية الامريكية، ثم عبروا جسر مود، ومروا بعلاوي الحلة والجعيفر ثم اتجهو نحو مقبرة الشيخ جنيد، حيث دفنوا جثمان الشهيد فيها. وكان هذا الحادث اول حدث عمل على يقظة الجمهور، ودفعه الى ايقاد ثورة العشرين.
وقد ذكر الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية بان هذا الشهيد كان نجارا، لكن المتتبع لهذه الاحداث يذكر انه بائع صحف، وليس له علاقة بالنجارة إلا عن نسبه فهو ينتمي الى بيت آل النجار احدى العوائل التي تسكن مدينة الفضل انذاك، وان موقفه البطولي الذي سطره الشهيد كرومي من اجل بلاده ودفع حياته ثمنا لها كان يذكره ويردده باعة الصحف الذين اتوا من بعده في فترة العشرينيات والثلاثينيات، ومابرحوا ان نالوا من الاضطهاد والتشريد والسجون الكثير وذلك لموقفهم وهو يصلون الى القارئ صحف المعارضة المناوئة للحكم. فكم من معاهدة واتفاقية وقفت صحف المعارضة منها، وكيف تصل تلك الصحف الى القراء ففي سنة 1939 سجن ثلاثة من باعة الصحف لاتهام الحكومة بقتل الملك غازي وفي معاهدة بورتسموث سجن ثمانية من الباعة. وخير شاهد بائع الصحف الحالي عبدالله الشيخ علي البهادلي الذي ما يزال يمتهن بيع الصحف وقد تجاوز السبعين من عمره، كم مره اوقف وسجن، ولعل ابرز موقف هي المفارقة التي قام بها (يوسف بكه) احد باعة الصحف للاستهزاء بالنظام آنذاك عند تسلمه احدى الصحف المسائية، واثناء تجواله لم يستطع ان يبيع نسخة واحدة، وعندما اظلم عليه الوقت مابرح حتى صاح بأعلى صوته (اقرا المسائية سقوط نوري السعيد، وتعيين يوسف بكه مكانه)، وخلال دقائق نفدت جميع النسخ الموجودة عنده، واخذ الناس يتسألون عن الخبر، فلم يجدوه، فعلموا انها حيلة من البائع لتصريف صحفة، فألقي القبض على (يوسف بكه)، واقتيد الى سجن السراي، ولولا تدخل متعهد توزيع الصحف الحاج عواد الشيخ علي وعلاقته بمأمور السجن لمكث (يوسف بكه) في السجن اياما.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram