اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: إمنح ولا تحرق

باليت المدى: إمنح ولا تحرق

نشر في: 20 يوليو, 2019: 06:43 م

 ستار كاووش

كيف ينظر الرسام الى عمله وكيف يطوره ويجتهد لمنحه خطوات جديدة؟ لتحقيق ذلك عليه أن لا يتكئ على الموهبة وحدها، حتى لو كانت عظيمة،

بل عليه أن يشعر بأن كل معرض جديد، هو بمثابة أول معرض له، بكل ما تحمله الكلمة من لهفة ومغامرة وإنتماء، فالرسم هو اللغة وهو جواز السفر، إنه القفز بين جغرافيا هذا العالم، حيث الإقامة والترحال معاً. وهذا الشغف بالفن -إن كان حقيقياً- ليس له أن يتوقف أبداً، ولا يمكن لشعلة روح الفنان أن تهدأ مهما حدث، بل يكبر هذا الهيام ويتسع مداه كلما إمتدت الخبرة على بساط الزمن، ويظل الفنان يتعلم من كل شيء أمامه، لكن عليه أن لا يقلد الآخرين حرفياً، وفي ذات الوقت يستفيد من خبراتهم المختلفة، ينظر لهم -مهما كانت مكانتهم- كمعلمين أفذاذ يمكنه الاستفادة منهم بشكل أو آخر، لأن كل شخص بإمكانه ان يهبنا درسه الخاص، وكل شيء يمكن أن يمنحنا بعض الضوء، حتى الاضافات الصغيرة بإستطاعتها ايضاً أن تضيء جانب من العتمة التي بداخلنا، على أن لا نسقط في مطب محاكاة الآخرين، ويكون لكل منا طريقه الشخصي. 

أشعر دائماً بأن طير السعد يحلِّق فوق رأسي وأنا أرسم، إنه تعويذتي التي تدفعني دائماً الى الأمام، لذلك أحاول أن أكون سعيداً بما أقوم به، لأن المتعة بالنسبة لي هي أساس وفحوى العمل الفني سواء كانت هذه المتعة أثناء الرسم، أو حين أراها تنعكس على وجوه زائري المعارض، لذلك لا تثيرني المواضيع الضخمة والكبيرة، بل انحاز الى العلاقات الجمالية الصغيرة التي تربط الأشياء وتجعلها أكثر دفئاً وحميمية، وأحاول أن أصنع جنتي من إيماءات الأصابع، إغفاءات العيون، خصلات الشعر المنسابة على الجبين وحتى بقع الضوء التي تتخلل النافذة لتستقر على الستائر الملونة. 

ذات مرة دخل رجل بسيط متمهل الخطوات الى أحد معارضي، وبعد أن تنقل بين اللوحات، إقترب مني قائلاً (بصراحة، أنا لا أفهم كثيراً في الرسم وتقنياته وأساليبه، ولا أعرف بالضبط ما الذي يمكن أن أقوله عن لوحاتك، لكني متأكد من شيء واحد فقط، وهو إن هذه اللوحات قد منحتني نوعاً من السعادة، وعكست في نفسي نوعاً من الرضا، أعرف أنه من الصعب شرح ذلك، لكني سأخرج من هنا مرتاح البال، اشكرك) وخرج يسحب خطواته بتأنٍ بعد ان تركني حائراً بين بساطته وعمق روحه، لحظتها شعرت بأني كنتُ أرسم طوال حياتي لهذا الرجل. وقبل سنتين كنت أقدم محاضرة في مدينة مالمو السويدية (في المكتبة العامة للمدينة) عن أعمالي وتقنياتي في الرسم، وقد عرضتُ أثناء ذلك، مجموعة كبيرة من لوحاتي على شاشة واسعة، بطريقة العرض الضوئي، وبعد انتهاء المحاضرة إقتربت مني إمرأة سويدية شابة، يشع الضوء من وجهها، ودَنَتْ مني بخجل لتقول (لوحاتك أدخلتني في عالم غريب وغامض، كنتُ أبحث دائماً عن شكل للفردوس، وبعد مشاهدة أعمالك، عرفت بأن ما ترسمه هو صورة الفردوس الذي أبحث عنه).

رائع أن يسعى الفنان منذ بداياته للبحث عن طريقته الخاصة في الرسم، وأن يقوم بذلك حتى لو أشاح عنه كل الناس ولم يُعجب بأعماله سوى رجل واحد وامرأة واحدة، فهذا أفضل من أن يتظاهر بعبقرية منسوخة من فنان آخر، وهو بذلك سيحرق مشواره الفني بنفسه. ومدهش أن يعرف الفنان اليافع إن الأشياء الصغيرة والبسيطة يمكن أن يقوى عودها بالصدق والمثابرة وبما تحمله من أصالة، لتكون نواة عبقرية قادمة. 

عليك فقط أن لا تخاف من طرح رأيك، وقَوِّي ثقتك بما تقوم به إن كان نابعاً من داخلك حقاً وليس من دواخل الآخرين، أشرِق بشمسك الصغيرة، وإجعل نورك يعم المكان، واسْقِ زهورك اليانعة بيديك لتصبح حديقتك عامرة، إمنح ولا تحرق، فرغم أن عود الثقاب يمكنه ان يحرق غابة كاملة، لكن شجرة واحدة من حديقتك يمكنها أن تمنحنا مليون عود ثقاب، فإختر بين أن تكون غابة عامرة أو رماد عود ثقاب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Ishraq Amin

    تحيه خاصه .،، شكرا لك على هذه الكلمات البسيطه ... والأعمال الرائعة النابعة من بسطاتك والتي تجعل أناملنا تحرك ساكنا لكي تكتب كلماتنا البسيطه على اعمالك الرائعه في البساطه والمشرقة بنورها لتنير روح السعاده لكل من يشاهد ويتمعن بألوان لوحاتك وخطوطها وتشكيلها.

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram