TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية : صباح الخير

الافتتاحية : صباح الخير

نشر في: 14 مايو, 2011: 07:32 م

فخري كريم

الساعة الان في مدينة روشستر السادسة والنصف صباحاً ..استيقظت على رسائل من  بغداد تفيد بأن برلماننا الموقر نجح في وضع كل خلافاته وراء الظهور،

  فانتخب نواب رئيس الجمهورية الثلاثة بعدما وضعهم جميعا في سلة واحدة طاهرة  مطهرة من كل الاختلافات والاعتراضات والتهم الموجهة إلى بعضهم..وهكذا هو  التوافق/التحاصص ناس تشيل ناس، وحتى تمضي المسيرة ظافرة مظفرة لا بد لها من  أن تغلق

آذانها حتى لا تسمع صياح الجماهير واعتراضها على هذا أو ذاك، وحتى لا تسمع نداء المرجعيات التي قالت بوضوح إن حفظ موارد الدولة وعدم تبذيرها على مناصب وهمية لا يوجبان البحث عن نواب ثلاثة لرئيس جمهورية قادر على القيام بما يجب أن يقوم به، وكان لا بد للمسيرة أن  تفرض على كثير من النواب المنتخبين أن يتناسوا الحجج التي أطلقوها ضد بعض المرشحين..المهم أن تستمر المسيرة، ولكن إلى أين؟

حتى نجيب على هذا السؤال، لا بد أولا أن نعزي العراقيين ونحن منهم بالنهاية الدراماتيكية لحقبة الدستور التي لم نصبر عليها طويلا.

لا بد من رثاء هذا التجاوز الصارخ على حرمة الشعب العراقي  ومصادرة إرادته بهذا الخرق الفاضح.

وبمقابل العزاء والرثاء..لا بد من مراعاة الأصول وإزجاء التهنئة الخالصة للسادة قادة الكتل السياسية على انتصارهم المجيد على إرادة ناخبيهم " بسلة واحدة ".

المواطنون، أمثالي،المنكوبون بخسارة دستورهم وضياع إرادتهم الانتخابية سيقيمون مجالس العزاء في بيوتهم، وداخل أنفسهم..ذلك أنهم يتعذر عليهم أقامتها في الهواء الطلق..مع هذا لا عزاء لهم في نكبتهم الجديدة التي لن تعالجها مهلة المئة يوم التي وعدهم بها رئيس الوزراء، رئيس قائمة " دولة القانون " .

فجيعتنا لا مثيل لها في العالم ، ففقيدنا الذي ولد بعملية قيصرية، ظل في حالة موت سريري ، ولم يجد مخرجاً لمحنته سوى انتظار قرار مجلس القضاء الأعلى للموافقة على قبول طلبه " بالموت الرحيم " وقد استجاب القضاء العادل في العراق الديمقراطي لطلب الفقيد " الدستور " .

وقد أصر الفقيد في طلبه الأخير قبل تنفيذ الحكم عليه ، بإشهار براءته من كل ما ينسب إليه من  قوانين، او مسؤوليته عن الادعاءات بتمثيله، إذ يعلن وهو في كامل وعيه الذي لم تستطع العملية السياسية بكل ما يشوبها من فساد ونهب لثروات البلاد وتعديات على حقوق المواطنين أن تفسد عليه شعوره بالمسؤولية الأخلاقية إزاء تضحيات الناس الشرفاء الذين واجهوا الرصاص والمفخخات والتواطؤات المخجلة، للإبقاء عليه حياً طوال هذه السنوات، منطلقين من الأمل في صحوة أخلاقية تعيد إليه عافيته، لينهض معافى، لعله يستطيع استدراج العراق الجديد، الذي ساهمت في إشاعة الوهم بأنه قادر على معالجة الوعكات التي ألمت به وتحولت الى ظاهرة الوهن التي أفقدته طاقة مقاومة الانهيار العام الذي تعرضت له  كل نواحي الحياة المصابة بالوباء، وحالت دون تحمل أعباء مسؤولياته في الدفاع عن المبادئ والقيم الديمقراطية والرغبة في مواصلة ما سميناه " عملية إعادة بناء الدولة ما بعد النظام الاستبدادي ". وكرر الفقيد في رسالته الوداعية للعراقيين الذين وضعوا فيه ثقتهم أسفه على الخيبة التي سببها لهم رغما عن إرادته، وثقته بأنهم سيتفهمون انه كان ضحية غدر الطامعين بالعراق والمتلبسين بهتاناً لبوس الحرص عليه.

إن المدى التي بذلت المستحيل لحماية الدستور تعلن فشلها مؤقتاً بعد حدوث هذه النهاية الكارثية، وبعد الجهود التي بذلتها اعتماداً على الجسم القضائي برفض قرار البرلمان العراقي الموافقة على طلب " الدستور" وهو في حالة إحباط كامل، بالحكم عليه " بالموت الرحيم " والتضحية به لصالح تواطؤات قادة الكتل البرلمانية على " إبداع السلة النيابية الواحدة " لانتخاب نواب الرئيس.

وإذ تطالب المدى المواطنين في جميع المحافظات بإقامة مراسيم العزاء، في بيوتهم وفي جمعة " النكبة " إن وجدوا الى ذلك سبيلا، فإنها ستواصل  بذل المساعي للحصول على قرار تمييزي، بإعادة تشريح الدستور وفحصه وبيان أسباب وفاته والمتسببين بما أصابه من يأس دعاه الى طلب الموت الرحيم، وسترفع دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية  للكشف عن المستور في ما جرى من خرق فاضح للدستور في البرلمان، كما ستبحث مع المختصين عن إمكانية تدخل ممثلي الأمم المتحدة والهيئات القضائية في هذه الفضيحة الدستورية الجديدة التي من شانها إجهاض آمال العراقيين بدولة مدنية ديمقراطية، أساسها الحكم بالعدل بين المواطنين والاستناد الى المؤسسات.

إن الأمل طاقة إنسانية تولد المعجزات، وقد فاض الأمل وتحول إلى قوة تغييرية أطاحت بأعتى نظام استبدادي، ولم تستطع الكوارث التي حلّت بنا أن تجرد شعبنا منه، وعلى هذا الأمل يمكن الركون والتعويل واستعادة بريق الحياة لدولتنا المستباحة والمتطورة .

اليوم ننعى لأبناء شعبنا العراقي موت الدستور تحت قبة البرلمان، بعد أن صوت " بسلة فاسدة " على انتخاب ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية ، اثنان منهم ظلا نواباً للرئيس طوال شهور خلافاً للدستور، وتقاضيا رواتب " أعضاء مجلس رئاسة " ومخصصات أخرى خلافاً لأي اعتبار ومسوغٍ دستوري. ويتحمل قادة الكتل السياسية تبعات هذا الخرق والتجاوز .

للفقيد المعلول الأمل في الظهور خلافاً للمألوف، ولمجلس القضاء الأعلى ورئيسه التعازي الحارة على المستور مما لم ينكشف من المناورات للتغطية على جريمة الحكم بالموت الرحيم على الدستور للجمهور بعد.

كما نعزي النواب الأعزاء الذين قدموا مأثرة تاريخية لشعبنا بالتصويت على انتخاب نواب رئيس الجمهورية خلافاً لما قرروه في اجتماع سابق خالص التعازي .

 

المواطن المنكوب

فخري كريم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram