علي حسين
كان المرحوم حمورابي أبا للقانون، حاول قبل ما يقارب الأربعة آلاف عام أن يرشد البشرية الى شيء ينظم حياتهم اطلق عليه الشرائع او القوانين.
لكن المشرع العظيم لم يدر بخلده يوما ان مسلته ستلقى الاحترام في بلاد الغرب، وستحتضنها بلاد "العم" ديغول الزعيم الذي انقذ فرنسا من سطوة هتلر، ووضعها في مصاف الدول العظمى، لكن هذا لم يشفع له من ان يقدم استقالته بعد تظاهرات قام بها الطلبة ضده، فيما بلاد الرافدين التي انجبت حمورابي استبدلت القانون بـ "الكعدة العشائرية " وتصر على ان الديمقراطية تعني ان تضع رجل في الحكم واخرى في الشارع تتظاهر من اجل مزيد من المكاسب والمغانم والمناصب.
كانت بلاد الرافدين القديمة دولة تعمل، وتشرع القوانين، وتسجل اسمها في سجل الحضارات الخالدة، واصبحت اليوم الدولة الوحيدة التي لا يستطيع فيها القانون ان ينافس العشيرة، والدولة الوحيدة التي بامكان عشيرة ان تطرد شركات النفط ان لم تدفع لها "الخاوة"، كان حمورابي وهو يضع مسلته، يتأمل هذه البلاد يوم كانت مهدا من مهاد القانون والحضارة. فيما اليوم يريد لها البعض ان تتحول الى قبائل ومذاهب وان تبقى من دون شرائع ولا قوانين، لكنها تتمتع والحمد لله بديمقراطيىة تحسدنا عليها شعوب العالم.
لست من فئة المواطنين الذين ينتظرون ان يصبح القانون بديلا للعرف العشائري، أو ان تنتصر الدولة على الجماعات المسلحة.. لكن لم اكن اتوقع ان تحل قضية محافظ واسط وضابط السيطرة بكعدة عشائرية، ربما سيقول البعض يا رجل الا تفرح ان تُحل المشاكل بهدوء.. نعم يا سادة ولكن من خلال القانون.. أخطأ محافظ واسط في تعديه على مسؤول السيطرة العسكرية.. لكن ضابط السيطرة لا يقل ذنبا عنه وهو يصر على اذلال المواطنين تحت حجة تحقيق الأمن، باساليب تعسفية.. مهينة ومحبطة للمواطن المغلوب على امره.
منذ ان انتشر فديو محافظ واسط وجنابي تحت تأثير الفضول الصحفي الذي يرفض أن يفارقني، تابعت تعليقات كثيرة على هذا الحادث، بالمقابل وجدت صمتا حكوميا على مثل هذه الانتهاكات للقانون، جعلني اتساءل: ما الذي يمنع رئيس الوزراء من أن يحيل الامر الى القضاء، ليعرف المحافظ كيف يتعامل مع الموظف الحكومي ، وليدرك ايضا الموظف الحكومي ان هناك من يحاسبه عندما يصر على اذلال المواطن؟
لكن لاننا في هذا الجانب من العالم، وهو جانب يراد له ان يبقى محافظا على "عشائريته"، وان يصبح القانون فيه شيئًا من لا شيء ، وكما قلت، وكتبت مرارًا في هذه الزاوية نحن بصدد نسخةٍ رخيصةٍ ومزيفةٍ من الديمقراطية ، على المستويات كافة، من البرلمان إلى الحكومة ، الى المعارضة التي تريد منا ان نهتف بحياة قادتها في الساحات .