حازم مبيضينعلى مدى ألفين وخمسمائة عام ظل اليهود في العراق مكوناً أساسياً في المجتمع، يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، غير أن قيام دولة اسرائيل كان الاعصار الذي عصف بهم، وهجرهم من وطن الآباء والاجداد، وتعرض من بقي منهم رغم كل الظروف، إلى قمع بلغ أوجه في ظل حكم البعث، وإذا حاولنا العودة إلى التاريخ سنكتشف أن بابل كانت مولد الشعب العبراني،
وقد تعرضوا للسبي أكثر من مرة على يد الاشوريين ونبوخذ نصر، وبعد سيطرة الفرس الساسانيين على العراق، ساءت أوضاعهم نتيجة مطالبتهم باعتناق الزردشتية، لكنهم وبعد دخول الاسلام شعروا ببعض الطمأنينة رغم أنهم كانوا يدفعون الجزية وكانت لهم مدرستان كبيرتان في محافظة النجف والفلوجة لكنهما انتقلتا الى بغداد مع بدء الخلافة العباسية التي منحتهم أماناً كاملاً، واعتبروا تلك الايام عصرهم الذهبي، وأصبحت بغداد المركز الديني لليهود حول العالم، واستمر هذا حتى الغزو المغولي الذي دمر معابدهم، واستمر اضطهادهم أيام الصفويين، وإلى أن حكم العثمانيون، فعادت بغداد لتكون مركزاً للثقل اليهودي الديني والثقافي والاقتصادي على مستوى العراق والهند وبلاد فارس وعدن. ساهم يهود العراق في بناء الدولة الحديثة وكان منهم حسقيل ساسون أول وزير مالية في الحكومة العراقية عام 1921، وبرز منهم في حقل الفنون المطربة سليمه مراد، وقارئ المقام فلفل كرجي والموسيقار صالح يعقوب عزرا وقد أسسوا أستوديو بغداد السينمائي عام 1948 وأنتج أفلاما ناجحة منها عاليا وعصام وليلى في العراق وذلك قبل أن يتعرضوا إلى عملية قتل ونهب للممتلكات في الفرهود بداية الأربعينيات. وبعد قيام الدولة العبرية ازدادت الضغوط الحكومية عليهم، برغم أن غالبيتهم كانت ضد الصهيونية، وصدرت تعليمات تسمح لهم بالسفر الذي كان ممنوعاً عليهم بشرط إسقاط الجنسية العراقية عنهم. فهاجر معظمهم وبقي منهم حوالي 15 الفا تمتعوا بالكثير من حقوقهم إبان العهد القاسمي، لكنهم تعرضوا لمزيد من الاظطهاد بعد انقلاب البعث الذي أعدم عددا من تجارهم بتهمة العمالة لاسرائيل، وفي العام 2003 لم يكن قد بقي منهم إلا أقل من 100 شخص معظمهم من كبار السن والعجزة. تولى العديد من يهود العراق رئاسة المصالح الاقتصادية والمكاتب الحكومية، وكان لهم بنوك عديدة وعملوا في معظم المهن الحرة، وبلغت مساهمتهم في الحركة الاقتصادية أوجها قبيل الحرب العالمية الثانية، إذ كان أكثر من نصف الأعضاء بغرفة تجارة بغداد من اليهود. وكان لهم ممثلون في مجلسي النواب والأعيان. وأسسوا أول مطبعة عبرية عام 1863 وقامت بطباعة أول جريدة عبرية، ونشرت بعض الكتب. وكانت أشهر دور النشر اليهودية دار "رحمايم" في بغداد، وكانوا على معرفة باللغة العربية قبل الفتح العربي، وكانت لهم لهجة عربية خاصة بهم، وكتبوا كذلك بعض مؤلفاتهم بلغة عربية بحروف عبرية كما برز منهم أدباء وشعراء كتبوا بالعربية الفصحى. يهود العراق الذين يعيش معظمهم في حالة حنين جارف إلى وطن الآباء والاجداد، ولا يجدون من يعينهم على استعادة حقوقهم الوطنية التي انتزعت منهم قسراً، وظلوا على ولائهم للعراق رغم محاولات تحويلهم إلى أعداء له، يستحقون تشريعاً يعيد لهم حقوقهم الوطنية وينتزعهم من ظلال الصهيونية التي يرفضونها، ويعيدهم مكوناً أساسياً في النسيج الوطني العراقي يغنيه ويضيف له الكثير.
نقطة ضوء: اليهود العراقيون وحقوقهم الوطنية
نشر في: 2 مايو, 2010: 08:24 م