توفيق بقال 
قيل سنة 1930 اخذ والدي دكان في شارع النهر لصياغة الفضة وقد اجر لنا بيت في محلة الكريمات وجاء والدي الى العمارة التي تعيش فيها واخذنا الى بغداد.. في ذلك الوقت لا توجد سيارة تنقل المسافرين فسافرنا في مركب زبيدة في نهر دجلة وبعد يومين وصلنا الى بغداد وكان عمري انذاك ست او سبع سنين وكان الجسر الذي تمر عليه الى الكريمات مشيد من الخشب وكان يسمونه الجاريات وفي ايام الفيضان كان الماء يصعد عليه فيصبح من الصعوبة ان نعبر عليه

لاني كنت انقل الغذاء الى والدي وكذلك كان معي اسمر وناجي.. كان شارع النهر في ذلك الوقت غير مبلط وكله تراب وفي الشارع كانت هناك حنفية واحدة يملون منها الماء. 
وكان يوجد سقا واحد يملأ قربته بالماء من الشط ويرش به الشارع مرتين في اليوم وكان الصياغ يعطونه فلوس على عمله. 
في شارع النهر كان يوجد مخزن اورزدي بالك وعمر افندي وتحول محل اورزدي باك الى سوق حيدر بعد ذلك وكان حمام حيدر يقع بالقرب من هذا السوق وكنا نذهب اليه للاستحمام بعد الشغل ووراء سوق حيدر كان يقع مبنى من طابقين هو التحقيقات الجنائية وكان يطل على نهر دجلة في شارع النهر كان الصياغ كلهم صياغ فضة اما صياغ الذهب فكانوا في خان جغان او خان الشابندر ومعظم الصياغ كانوا يعودا وصياغ الفضة كانوا من مخزن اورزدي باك الى راس الجسر واذكر منهم .. عمارة وبقال وعباس كانوا في دكان واحد وجودة سهر وجاني سهر وشدود نعاس ولوتي عذاب وسكران وخماس وسبتي كانوا في دكان واحد ودايل عبد الحسن واخوه غالب وغريب وسعيد دخيل وناشور غانم واخوه ذياب وصالح حاجم واخوه شاطي وضامن حوايزاوي وخابط وياسر صكر واخوه ناصر، وعنيسي فياض وخضير الخميسي ورحيم برغوث.. واضطررنا الى ان نرجع الى العمارة في مركب زبيدة او زنوبة وبقيت اعمل في تصليح الساعات والصياغة وفي سنة 1935 رجعت الى بغداد في سيارة (ام التنته) وفيها جناحان كنا نضع امتعتنا عليها ولم يكن في السيارة زجاج وعند وصولنا يكون التراب قد غطى السيارة وغطانا ايضا انها سفرة متعبة جدا ولما رجعت الى بغداد.. وجدت الجسر مبنيا.. انتقلت مع خوالي صالح عايش وعبد الرزاق سيف وخلف جابر وناجي هرمز وكنا خمسة في دكان واحد وكان الدكان الوحيد الذي يصوغ الذهب وهناك ايضا صائغ اجنبي روسي اسمه فلادمير سيكال يعمل بالذهب ايضا مع ابنه تولا وكان عنده واحد ارمني عراقي نقاش اسمه (ارشا ويل) ولما بدأت حرب هتلر سافر فلادمير وعائلته الى لندن وزادت دكاكين صياغ الذهب في شارع النهر.. غدير باجور، ابراهيم وهام، نجم عبد الله في سنة 1941 حدثث حركة رشيد عالي الكيلاني فصارت بغداد غير امينة سافرنا الى العمارة بالسيارة ودامت الحركة 40 يوما وكنت احتفظ باربعين منشور من الحركة لكنها ضاعت مع الاسف وقسم من الصياغ تحول الى الذهب شيخ عنيسى ياسر صكر صالح حاجم سالم شهيب وانفصلنا انا وجماعتي سنة 1945 وفي تلك السنة جاء خليل مال الله واخذ دكان سبتي وهو نفسه الموجود اليوم في سنة 1946 اخذت دكان في شارع النهر عند بيت عبد الستار المميز جبران فائق عبيدة الذين كانوا وكلاء شركة مارسيدس وفي هذه السنة وصل من امريكا عباس عمارة وعملت له عزيمة حيث اشتريت شبوطا كبيرا بدينار وربع وكان في الغداء معنا ناجي هرمز وليمة عباس وعزمته على السينما فقال اريد فلم عربي فاخذته الى سينما الحمراء الشتوي التي كانت بينشارع النهر وشارع الرشيد (الان هي البنك المركزي) مقابل عقد النصارى فاخذت لوج بـ 350 فلسا وكان الفلم هو فاطمة لام كلثوم.. وقد احترقت سينما الحمراء الشتوي الا انها رممت وعادت الى العمل. 
وفي سنة 1948 حصلت على تلفون اربع ارقام 6541 في 49-50 سافر اليهود من بغداد.. فاشتروا جماعتنا الصياغ الكثير من ذهبهم واغراضهم.. سافرت الى لبنان مع سبتي وناجي وبقينا ثمان سنين رجعت الى بغداد لابيع اغراضي وارجع الى لبنان.. فحدثت ثورة 14 تموز سنة 1958 ولذلك قررت البقاء في بغداد ففتحت دكان صياغة في شارع النهر ايضا وتخصصت بالمينا الملونة والاساور واغلفة المصاحف ثم انتقلت الى الكرادة سنة 1980 وكنا خمسة صياغ: فاخر عبد دخان، قدوري ناصر، ابراهيم شدود، مالك عودة .. ثم تركت الصياغة بعد ان كبرت ولم استطع الاستمرار في العمل. 
ملاحظة: اول بيت صياغ في العمارة بيت زهرون وهم يعملون في البيت، حسني وجبوري زهرون وعبد سلوم، اما الدكاكين في العمارة فكانت : دكان منشد وجبوري وزهرون وابوه داغر وعبد الامام واكثرهم توفوا الله يرحمهم جميعا

عن كتاب ذكريات بغدادية