لطفية الدليمي
يذكر الباحث الفرنسي (برنار لاهير) في دراسة له بعنوان (أوضاع الأدب- حياة الكتّاب المزدوجة ) أن معظم الكُتّاب ممن نشروا مابين كتابين إلى سبعة كتب أو أكثر
لايعيشون من مردود كتبهم بل إنهم مرغمون على العمل في مهن مختلفة لتوفير تكاليف العيش وهي مهن قد تكون لها علاقة بعالم الكتابة كالتعليم والصحافة والترجمة وتحرير الكتب وتصحيح بروفات الطباعة في دور النشر أو التخصص بكتابة عروض الكتب للملاحق الثقافية. ففي فرنسا يصدر نحو ستون ألف كتاب سنوياً لعشرات الآلاف من الكُتّاب لايصل الى مستوى الكتّاب الأكثر مبيعاً إلا "15 " كاتباً حسب من بين عشرات الآلاف من المؤلفين.
الأدب ليست مهنة للعيش في معظم بلاد الدنيا إلا لكتّاب معدودين ، والأدب ليس هواية أناس مهووسين بالشهرة ، الأدب شيء آخر غير الكتابة فهو شغف جمالي وموقف من الوجود وخلقٌ متفرد يضيف قيماً فكرية ومتعاً جمالية لكاتبه وقارئه ؛ قد يكون الأدب مهنة تدر المال لمحظوظين لايشكلون سوى نسبة ضئيلة من بين كتاب الغرب والشرق أمثال جي كي رولنغ ودان براون وستيف كنغ.
قد تكون الكتابة أحياناً هواية لمتبطلٍ مترفٍ يشغل وقته بكتابة مذكرات ركيكة يعيد تحريرها وتجويدها كاتب خفي ( كاتب شبح ) يمنحها ألقا أسلوبياً ويعززها بوقائع درامية زائفة تضفي أهمية على الكتاب ويتقاضى أجراً يخفف عوزه أما الشهرة فينالها المتبطل المترف.
لايصلح الأدب باعتباره فعالية ذهنية وتخييلية في الغالب ليصبح مهنة يعتاش منها الكاتب، فنادرا مانجد أدباء يقتاتون على ماتدره كتبهم من أموال، وحتى في البلدان القارئة التي تؤمن حقوق الكُتّاب لانجد سوى القلة من الأدباء الأحياء يعيشون من ريع كتبهم التي تبيع ملايين النسخ، وفي مقدمة هؤلاء تقف جي. كي. رولنغ كاتبة هاري بوترالتي حصدت رواياتها الفانتازية الملايين إثر نشرها وتحويلها للسينما ومثلها كاتب روايات الرعب ستيفن كنغ الذي صرّح مرة بأن رصيده يزداد عشرة ملايين دولار أسبوعيا من أرباح الأفلام وإعادة طبع رواياته التي ترجمت الى خمس وثلاثين لغة ويقفز معهما إسم دان براون الذي يتبرع بالملايين للأعمال الخيرية من أرباح روايات الإثارة البوليسية التي يكتبها وتتحول الى أفلام سينمائية ، لا يعني كون هؤلاء على قائمة أعلى المبيعات أنهم الأفضل بين كتاب زمننا ، أبدا ؛ فموضوعة (البيست سيلرز) لاتعتمد الجودة والمستوى الفني، بل تتحكم بها التجارة وذائقة جمهور واسع من عامة القراء ممن يعشقون قصص السحر والأعمال البوليسية المثيرة المعتمدة على حكايات التاريخ والخيال العلمي واستخدام التقنيات المتطورة .
لايحقق التفرغ للكتابة الابداعية في أوطاننا عيشا كريما للأديب فليس من كاتب عربي معاصر بلغت مبيعات كتبه عتبة الثلاثين ألفاً ، وحتى لو بلغت مبيعاته هذا الحد فلن يحصل على شيء منها إلا اذا كان بشهرة نجيب محفوظ أو كان هو الناشر وهي حالة نادرة لم تحدث إلا مع كاتب أو إثنين .ويتماثل واقع الكاتب العربي مع أوضاع مجتمعاته المزرية ؛ فهو يستنزف عمره في تجويد عمله لبلوغ مستوى فني مرموق ويقدمه للنشر ولايحصل على أي مردود مادي سوى بضع مقالات نقدية وعروضاً صحفية وحفلات توقيع، وقد تعيد دار النشر طبع كتابه مرات فيحصل الكاتب على مردود معنوي كبير يضاعف من إحساسه بالحيف ويربح بضع نسخ من كتابه مع كل طبعة،هذه هي الحقيقة التي تدفع الأدباء للعمل في مهن أخرى ، بينما يدفع معظم الكتاب العرب غير المعروفين أثمان طباعة كتبهم إلى دور النشر التجارية.