طالب عبد العزيز
واحد من اخطر التقارير الصحية ذاك، الذي أعده الدكتور شكري الحسن، أحد الاطباء الخبراء المختصين بشؤون البيئة والتلوث في جامعة البصرة،
وهو الذي قضى الشهور الأخيرة باحثا في شأن التلوث الذي حصل في مياه شط العرب العام الماضي، وبحث في ما اذا كان التلوث كيمياويا او جرثوميا؟ القضية التي اصابت اكثر من 140 الف مواطن بصري بالتسمم وتسببت بأمراض معوية مختلفة.
فقد تم جمع عينات منتخبة من مياه شط العرب وارسالها على جناح السرعة الى واحد من اكثر المختبرات تطورا ودقة في العالم (مختبرات شركة سويز الفرنسية المتخصصة بتكنولوجيا وحلول المياه) وبعد ترقب ظهرت النتائج لتؤكد وجود تلوث جرثومي خطير، فقد تم الكشف عن بكتريا الكوليرا والايكولاي والشّيغلا واليرسنية والمطثية والعطيفية والقوربية وطفيليات الجيادرية اللمبلية وفيروسات روتا العجليّة وسابو والغديّة والنجميّة وغير ذلك، وظهر هذا الكوكتيل الجرثومي في عينات الانهر الفرعية لشط العرب، مثل العشار والخندق والرباط والعسافية والكرمة والرباط والخورة وحتى في شط العرب نفسه.
ولعل التقرير الخطير هذا يكشف لنا حجم الرعب الذي يعيشه سكان البصرة، نتيجة اهمال الدولة لمشاريع تحلية المياه وترك الامر هذا بيد القدر، فقد تضاءلت في الاشهر الاخيرة تصريحات المسؤولين في البصرة عن مشاريع التحلية والتصفية واستقدام الشركات العالمية، حتى ليبدو الحديث عن مشروع محطة التحلية العملاقة في الفاو خارج الاهتمام اليوم، مثلما اختفت احاديث وتصريحات مماثلة عن الزام الشركات النفطية بانشاء محطات تحلية في كل محطة تصفية عاملة داخل المدينة، وبصورة ادق ذهبت سدى تضحيات الشباب الذي تظاهر في صيف العام الماضي، حيث لم يتغير شيء.
لا نريد أن نقلل من الجهد الذي تبذله حكومة البصرة في قطاعات كثيرة، لكن تبقى قضية المياة الصالحة للاستعمال البشري هي الاكثر وقعاً، وفي الوقت الذي تعمل فيها احدى الشركات المحلية على انجاز مشروع مجاري القبلة، وهو بحق واحد من مشاريع خدمية كبرى، نوجه عنايتها الى أن ما تم في نهر العشار من تنظيف وتبطين بالحجر وسحب المياه الثقيلة التي كانت صورته القبيحة في السابق، لم يكن كافياً ما لم يتم تحويل مياه الصرف الصحي تماما عنه، ومنع السكان والمؤسسات واصحاب السيارات الحوضية من القاء مياه المجاري فيه، فهي بحسب تقرير د. شكري السبب في تلوث شط العرب، المصدر الرئيس لمياه عدد كثير من محطات التصفية.
وإذا كانت شركة النفط وبالتعاون مع وزارة الموارد المائية قد نجحت في مشروع نهر العشار، الذي ما زال يعوزه الكثير، فان انهار مثل الخندق والخورة وشط الترك والومبي والعسافية وكرمة علي وابي الخصيب والتنومة ومجمل الانهار الصغيرة والكبيرة، التي تصب في شط العرب أصبحت المصدر الرئيس للتلوث، وما لم تعجّل الحكومة بانشاء شبكة صرف صحي لكل مناطق البصرة وما لم توقف النزوحات السكانية الكبيرة وما لم تمنع السكن العشوائي ستصبح المدينة غير صالحة للعيش، وسيضطر سكانها الى هجرتها. نتحدث عن قرابة مليون وافد جديد الى الزبير بعد احداث عام 2003 . ترى اي شبكة صرف صحي تستوعب هؤلاء؟ اي سكن، واي خدمات يمكن ان تقدم لهم على ضوء تعثر الحكومة في مشاريعها. او بصريح العبارة لن تستطيع اي حكومة في العالم مواجهة هذا العدد المرعب من السكان الجدد.