طالب عبد العزيز
خيبات الظنون تترى في البلاد هذه، وموجبات اليأس تتقدم كل مشروع حقيقي في الحياة عندنا. يُعلمني أحد المطلعين على بواطن الأمور:
بان النسب من التبادل التجاري بين العراق من جهة وايران وتركيا والاردن والسعودية والكويت من جهة أخرى والممنوحة الى مجموع الائتلافات والكتل السياسية في البرلمان هي من يقف وراء تعثر أي مشروع زراعي أو صناعي أو خدمي في الداخل، بمعنى أنَّ لا لصناعة الالبان في العراق، على سبيل المثال، مادامت الجهة الفلانية تتسلم نسبتها من إيران.
ومع تقاسم الكتل النسبَ تلك، فإننا لن نلمس قيام صناعة في قطاع الألبان حتى بوجود 2 مليون 552 ألف رأس من البقر و285 ألف و500 من الجاموس، وأكثر من ذلك من الأغنام والماعز بحسب احصاءات رسمية في العام 2010، خاصة إذا ما علمنا بان العدد الكبير هذا قادر على تأمين حاجة السكان من الحليب ومشتقاته، وجعل وجبة الفطور الصباحي عراقية بامتياز، ومن ثم الاستغناء بالكامل عن المستورد من إيران والسعودية والكويت، لكن إرادة السياسيين تحول دون ذلك، إذ أن حرمان الكتل تلك من نسبتها في حجم التبادل التجاري يعني انهيار العملية السياسية .
وبحسب احصائية رسمية فأن 80% من المصانع العراقية للقطاعين الحكومي والأهلي متوقفة منذ العام 2003 الى اليوم، وكل المحاولات التي تحدث عنها الوزراء المتعاقبون باءت بالفشل، والسبب بكل تأكيد هو حصة الكتلة التي تمسك بتجارة المستورد لصالح قطاع الصناعة، فقد توزعت الحصص بين الكتل، فأخذت الكتل السنّية حصتها من مجموعة الأردن والسعودية، مثلما أخذت الكتل الشيعية حصتها من إيران والكويت ودبي، وهكذا تفعل الكتل الكردية مع تركيا وغيرها، في عملية محكمة، لم تعد تخفى على أحد، وما وجود الوزراء والبرلمانيين هناك إلا للتنسيق وإدامة مردود الأموال عليهم جميعاً.
ولعل أقبح ما رسمته السياسة الاميركية من خلال سنة الحاكم المدني بول بريمر المشؤومة، هو ما يرتبط بتدمير بنك البذور في العراق، هذا القرار الذي قضى بالكامل على الأمن الغذائي، ورهن مستقبل الزراعة وحياة قرابة الـ 40 مليون إنسان بقرارات الشركات الاحتكارية، مثل مونسانتو وسنجينتا ودو كيميكال وكارجل وغيرها من شركات المنتجات الزراعية الاميركية العملاقة، التي تسعى لفرض سيطرتها على انتاج الغذاء في العالم، من خلال احتكارها للبذور والنباتات المعدلة وراثياً.
أما العجز في الموازنة والمعلن في قانون رقم واحد من قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2019 والمنشور في جريدة الوقائع العراقية فيشير الى 27 ترليوناً و537 ملياراً و929 مليوناً و542 ألفاً، وهو رقم مخيف، على الرغم من الارتفاع الملحوظ في إنتاج النفط والإيرادات الضخمة المتأتية منه، بما يجعلنا جميعاً تحت رحمة البنك الدولي في ظل انعدام الأمل باحتمالات التغيير.