د.قاسم حسين صالح
انشغلت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي بما حصل في افتتاح بطولة غرب آسيا بملعب كربلاء الرياضي(1 آب 2019)،
بعزف النشيد الوطني العراقي بآلة كمان من قبل فتاة ترتدي ملابس محتشمة مصحوباً بعرض راقص جميل وفعاليات مسرحية. وكان أبرز المنتقدين امين عام حزب الدعوة السيد نوري المالكي مطالباً بفتح تحقيق لمحاسبة المقصرين،الذي لم يطالب بمحاسبة كبار من سرق المليارت يوم كانت أمور البلاد والعباد بيده لثماني سنوات! وسكت عنهم قائلاً(لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها)..فيما اعترض ديوان الوقف الشيعي على الاحتفالية كونها لا تنسجم مع قدسية المدينة، ورفع دعوى قضائية ضد اتحاد الكرة العراقي باعتبارها (مخالفة لضوابط وخصوصية المدن المقدسة والأخلاق والآداب العامة) مع علمهم بأن (القدسية)تكون للذات الآلهية فقط.
وما حصل إن هذه الحادثة شغلت أذهان الناس بمسألة جزئية هي ان عزف الموسيقى في كربلاء (حرام) أو لا يجوز،مع إنها لم تعزف بداخلها او في شوارعها القريبة من ضريح الأمام الحسين ..وتطورت لتشكل حالة تحد بين محبي الموسيقى وعدد من رجال الدين في حكومة كربلاء وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي في السلطة.
والمغالطة انهم يعرفون بأنه لا يوجد نص في القرآن يحرم الموسيقى ،ولا يوجد اتفاق بين علماء المسلمين على تحريمها أو تكفيرها،بل إن كبار علماء المسلمين دعى الى اشاعتها للترويح عن النفس، بينهم ابن حزم وابي حامد الغزالي وصولاً الى الإمام محمد متولي الشعراوي..ولك أن تقرأ «كتاب الموسيقى الكبير» للفارابي الذي ناقش في إحدى مقالاته مفهوم العلاج بالموسيقى والآثار الشفائية للموسيقى على الروح وسبق بذلك علماء النفس المعاصرين الذين اعتمدوا العلاج بالموسيقى للمصابين بالاكتئاب وحالات العصاب.
وواقع الحال إننا لدينا (حسينان) يظهران بتناقض حاد،(حسين) الحكومة..تمد له صحون (ابو العراوي) و(المفطح) و(القوزي) والقيمة المطعمة بنومي بصرة وهيل ودارسين وبهارات قيمة..يتفقدها معمم حكومي أو ملتحٍ من احفاده يلطم صدره بخفة و(نزاكه)،خرج من قصره في (الخضراء ) بحمايات وهمرات ورباعيات وسيارات مظللة،يصحبه وزير أو نائبه وكبار المسؤولين في الوزارة التي تعود لعائلته!..والامام الحسين(ع) حسين الناس..فقير..مظلوم..يقطعون المسافات قاصدينه مشياً على الأقدام،يباتون الليل في العراء..ويكتفون بلفة فلافل..ينوحون ويلطمون ويبكون..ويشكون له ضياع عمر وبؤس حياة وقسوة ضيم ما شهدوه من يوم استشهاده.
والمخجل إن إساءة الساسة للإمام الحسين "ع" وصلت إلى الخارج. فبدل أن نقدم الحسين رمزاً إنسانياً لعالم ، فإن السلطة ارتكبت إساءة بالغة بحقه أمام الأجانب. ففي مقالة لكاتب بريطاني اسمه دافيد كوكبورن نشرها قبل ست سنوات في صحيفة الاندبندنت بعنوان “كيف تحولت بغداد إلى مدينة للفساد” جاء فيه: أحسست بألم وأنا أرى شعاراً مكتوباً على لافتات سوداء بساحة الفردوس “الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن”. عشر سنوات منهج حسيني، والنتيجة حكومة حرامية. عشر سنوات في الحكم بميزانية تقارب تريليون دولار، أي ما يقارب حاصل جمع ميزانيات العراق خلال 80 عاماً، والنتيجة أن زخة مطر تُغرق عاصمة الثقافة العربية. عشر سنوات من الفساد المالي والسياسي ووضع البلد على حافة الانهيار، وكل ما تملكه حكومة الحرامية شعار “الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن".
والذي حصل أن الجماهير التي كانت قيمها راكدة،مستكينة لغاية 2015..أخذت تقارن بين قيم الامام الحسين(ع) وقيم السياسيين،أوصلتهم الى اكتشاف إنهم كانوا مخدوعين وعلى (نياتهم)،وكانت هي المرة الأولى بعد 2005 التي يشعر فيها حكام الشيعة بالخوف من حسين الناس بعد أن كانوا يعيشون الزهو والتباهي بأنهم حسينيون.
والمفرح أن قانون التطور الاجتماعي أرسل لنا الآن إشارة بأن هذه المرحلة الاجتماعية بدأ يتصاعد دخانها وإنها في طريقها الى أن تحترق..يشهد على ذلك ما فعله أهل كربلاء وشبابهم بعزفهم الموسيقى في تحد أقوى لمن دعى بمنعها ..وتغريدات في الفيسبوك نلتقط منها:
· يشعرون بالخجل من عزف الموسيقى ولا يشعرون به من سرقة المال العام.
· الفسق والفجور ليس في عزف فتاة للنشيد الوطني بل في خذلانكم للناس بتوفير أبسط الخدمات.
· يكفّرون الموسيقى فيما يوجد في كربلاء مسؤولون فاسدون.
· القيثارة السومرية أقدم آلة موسيقية موثقة عراقياً، فالماضي كان أجمل ولا يريدون لنا حاضراً جميلاً ،يردون لنا روحا خاوية..كفى!
· الموسيقى خلق الله بدليل إنه خلق أجمل أصوات الطيور، وإن الله جميل يحب الجمال فلماذا يجلبون قبحهم باسمه.
· من يحرّم الموسيقى بحاجة الى مصحة عقلية!.
وثمة معلومات علمية نهديها لمن يحرّم أو يكفّر أو يكره الموسيقى..
اثبتت الدراسات أن الابقار التي يسمعونها موسيقى تدر كميات وفيرة من الحليب وتمتاز بقيمة غذائية عالية الجودة، وإن حقول البطاطس المزودة باجهزة لموسيقى كلاسيكية أعطت محصولا أكثر جودة من نظيرتها التي نمت بدون موسيقى، وإن الأم الحامل والجنين يتأثران تاثيراً منعشاً بالموسيقى الهادئة ذات الإيقاع الجميل، وإن سماع الأطفال للموسيقى الهادئة يؤدي الى رفع الذكاء والإبداع لديهم.
ونزيد من عندنا: إن سماعكم للموسيقى يهذّب النفوس، ويجعلكم أكثر إحساساً بمعاناة خمسة ملايين عراقي صاروا في زمنكم تحت خط الفقر،وإن الموسيقى ستدفعكم الى أن تكونوا قريبين من الناس الذين أوصلتوهم الى قناعة بأنكم ستخيرون الحسين بين أمرين: إما القتال أو الرجوع من حيث أتى..إن ظهر الآن مطالباً بإصلاح حال أمته ومحبيه.