جلال حسنواحدة من اسوأ الحالات اليومية، الجلوس الطويل في المقهى ، انه هزيمة في مواجهة معترك الحياة، توقف الجد مع طنين الصفنات، خمول مغلف بالقنوط وفيء ثقيل باليأس ، هكذا يرى الان كل من ادمن المقاهي وعوالمها الشاحبة ، حتى العابها من النرد والدومينوعبارة عن تأطير الكسل في اشياء غير مفيدة البتة.
الجلوس في المقاهي يرتبط هذه الايام بنمط خاص من الشباب باعمار العشرينيات باقل او باكثر منها ، وكل شاب يمسك حبل الناركيلة الأنبوبي ويعانق سحب الدخان من خلال التبغ المحترق والخانق ويعدل الجمرات على احتراق رئتيه وينفث الدخان بطريقة مبالغ فيها .صورة المقهى لم تكن تلك الصورة المرسومة في ذاكرة المدينة ابان منتصف القرن الماضي حينما كانت معقل المتمردين ومؤسسي الاحزاب التقدمية وكتبة البيانات الشعرية والمثقفين والشعراء والادباء وقراء الكتب والمخطوطات وكبار الصحفيين والمحامين والمعماريين ، مقاه مثل البرازيلية والزهاوي وحسن عجمي كانت شبيهة بالمكتبات العامة وروادها من حملة الكتب الثقيلة ، وتدار فيها جلسات ادبية ونقاشات ، وملتقى لمبدعي العراق ، ويقصدها الادباء من جميع الدول العربية والمحافظات لغرض الالتقاء بارفع الشخصيات الثقافية المبدعة ، كأنها ورش عمل في مختلف الاتجاهات. وما زالت ذاكرة المدينة تدون باحرف متوهجة خروج اكبر تظاهرة شعبية من مقهى الشابندر تندد بمعاهدة بورتسموث في عام 1948 . كانت المقاهي ملاذات اصغاء ودواوين شعر وروايات ما زال صداها يرن في الادب العراقي. كانت طقوس الجلوس تتطلب الاحترام والكياسة للحضور، ربما طبيعة الحياة في تلك الفترة الزمنية تفرض عاداتها وتقاليدها في نمط العيش والتصرفات المرتبطة بزمن جميل زاخر بالعلم والمعرفة.جمال المقاهي يرتبط باخلاق الناس وثقافة المجتمع . ولا تخلو تلك المقاهي من تعليق اللوحات الفنية والمناظر الخلابة والصور الفوتوغرافية التي تدون تاريخ المدينة من المهن الشعبية الى تأسيس اول المسارح والمكتبات.اوجاع المقاهي اليوم لا تشبه مسراتها ، تغيرت تماما ، وادار المثقفون ظهورهم لها، واختلف الرواد ، وصارت محطات لمعانقة انبوبة الناركيلة، قد تكون هيئة السياحة و امانة بغداد هما الجهتين المسؤولتين عن تطوير الاماكن التراثية في بغداد من خلال اعداد برامج وخطط لاعادة هيبة هذه الاماكن باعتبارها ذاكرة مدينة حية ، ومعالم طافحة بالاحداث المهمة في البلد ومن تلك التي غيرت مسارات كثيرةjalalhasaan@yahoo.com
كلام ابيض : صورة المقهى
نشر في: 3 مايو, 2010: 05:16 م