طالب عبد العزيز
في تشرين الاول من العام 2004 تسنى لي زيارة ايطاليا ضمن دورة تدريبية صحفية وثقافية، وكانت الجهة المنظمة
قد حرصت على أن توازن بين برنامج التدريب والزيارات الميدانية، التي ارادت أن تطلعنا من خلالها على المدن الايطالية، التي زرناها (روما وفلورنسا ونابولي).
ولعل ما ظل عالقا في ذهني من الايام تلك، هو حديث المرشد السياحي (فابيوريستا) عن فترة سلطة البابوات المسيحيين في ايطاليا.
وحين أخذنا لمعاينة أحد المسارح القديمة، بني قبل (300 سنة) أشار الى مسلك سري تحت الارض، يمتد من الصالة الرئيسة، حيث يجلس البابا الى بيته، كان القصد منه حماية البابا من غضب الجماهير، بعد تعرض مجموعة من البابوات الى القتل، بسبب نقمة الجماهير تلك عليهم. كنا قد استغربنا مما يفعله هؤلاء، وذهب بعضنا غير مصدق لما يرى، إذ لم تكن صورة رجل الدين أو استثمارها من البعض، على الهيئة التي نجدها ونتلمسها اليوم في عراق ما بعد 2003 . كان البابا لا يملك ناقلة للنفط ولا يعمل بتجارة المخدرات.
منذ اللحظة تلك ظلت فكرة السلطة الدينية مشوهة في أذهان بعضنا، لكنها، ظلت مشرقة في أذهان الكثير منا، حتى تكشفت عبر مجموعة المتدينين، الذين انخرطوا في الاحزاب الدينية، ثم تحولوا الى التجارة بالدين والنفط والمخدرات، في توليفة غريبة منحتنا اليقين القاطع، الذي مفاده أن البابا في ايطاليا، الذي تاجر بالمسيحية آنذاك، لا يختلف عن الكثير من رجال الدين الاسلامي، الذين تاجروا بالدين، منتفعين من وجودهم في الاحزاب، التي رفعت شعارات الاسلام، ومن الشعارات التي رفعت في محاربة داعش، حتى ما عدنا نعرف صاحب الدين الحقيقي، المخلص له من المدعي، المنتفع منه.
أثارت صورة أحد أصحاب قاعات القمار في بغداد، الذي ظهر وهو يتسلم سيف الامام علي من أحد رجال الدين، حفيظة واستهجان العراقيين، وساهمت في تشويه الصورة المثالية للمتدين في العراق قبل عقد ونصف من الزمن، فالرجل زعيم فصيل مسلح، كان حارب ضد الارهاب، وسمْعته تطبق الافاق، ولم تكن الشبهات لتحوم حوله، قبل مداهمة القوات الامنية للنادي الليلي، الذي يديره عن بعد، ولولا حادثة هروب السجناء، المتهمين بتجارة المخدرات لما انكشف أمره، لكن السؤال الابلغ هنا، كم يبلغ عدد الذين لم تسقط عن وجوههم اقنعة الدين ومحاربة داعش بعد.
خيبة أمل كبيرة، كنتُ تعرضت لها يوم شاهدت الشخصية البسيطة، المقاتل ضد داعش (ابو عزرائيل) وهو يلعن حظه العاثر، يوم وجد نفسه في العراق، هذا الرجل الذي أفصح بحرقة قلب صادقة عن خيبته في سياسة البلاد، التي ذهب يقاتل من أجلها، فقد بدا نادما على كل كلمة قالها، وكل موقف كان تبناه كمقاتل عراقي شريف ضد داعش.
لو قيض الله عودة الكثير من المقاتلين الشرفاء، الذين ضحوا بارواحهم، لقالوا قولتهم المدوية: "أمن أجل أن يبقى هؤلاء الفاسدين واللصوص والقتلة ومهربي المخدرات حكاما على العراق سالت دماؤنا، أمن أجل هؤلاء المجرمين، ترملت نساؤنا وتيتم اطفالنا؟" عن أي دين عند هؤلاء نتحدث يا ترى؟