لطفية الدليمي
في استطلاع أجرته صحيفة نيويوركر حول استخدام الأدباء لوسائل التواصل صرحت الروائية البريطانية زادي سمث بأن ابتعادها عن وسائل التواصل
يمنحها الحق في أن تخطِئ بعيداً عن ردود أفعال الناس في تلك المنصات، وقالت: أنا لاأحبذ الظهورعلى وسائل التواصل ومواجهة ردود أفعال قرائي على أعمالي فحين أعرف ذلك ،سوف أعجزعن مواصلة الكتابة؛ أحتاج إلى قدر معين من الجهل بما يجري في سبيل صون أحاسيسي الخاصة مع إدراكي لأهمية أن نتوافق مع الحياة الاجتماعية والحياة العامة ، لكن الأمر يختلف تماماً فيما يتعلق بأرواحنا.
قد يخالف غالبية مرتادي وسائل التواصل رأي سمث المتشدد ، فمعظمهم يعرضون أفكارهم وكتاباتهم الوجيزة ليحصلوا على ردود أفعال سريعة من متابعيهم، فهذا الصنف من الكتاب لاطاقة لديهم على إنجاز عمل رصين يتطلب صبراً وبحثاً وعزلة ويستغرق زمناً قد يطول لينضج بين أيديهم، فمثل هؤلاء يتعجلون نيل حصيلة من ردود أفعال تنعشهم وتشعرهم بحضورهم في المشهد وإن عن طريق منشورات عابرة لايسعها الصمود في الزمن.
ربما لزادي سمث مبرراتها في النأي بنفسها عن مواجهة ردود أفعال الناس إزاءها وإزاء أعمالها، فهي تتحدث بوعي سابر للوقائع ، وتقدم برؤية راصدة عن بعد ملاحظات دقيقة عن منصة تويتر فقد اكتشفت أن المغردين يتعاملون بقوة ووضوح كاملين عند الساعة التاسعة صباحاً ؛ أما بعد الساعة الحادية عشرة صباحاً فتتخذ النقاشات منحى صاخباً يبلغ التلاسن والشجار، ثم تنقلب الأمور إلى نقيضها بين تغريدات سكان تويتر خلال الساعات التالية.
لو ألقينا نظرة متأملة على جمهورية وسائل التواصل بمقاطعاتها الممتدة على تويتر وإقليم الفيس بوك ببحيراته المالحة وأنهاره العذبة وينابيعه الدفّاقة لوجدنا أن بعض سكان الجمهورية الزرقاء،يحاولون بذل أقصى مابوسعهم ليظهروا أفضل مافيهم، فيبدو أحدهم في صورة السوبرمان الكامل بقوته وعمق معرفته ونأيه عن الزلل وتبشيره بالقيم الرومانسية والرؤى اليوتوبية التي يراها جديرة بتغيير حياة البشرعلى الأرض، بينما يتجه البعض الآخر منهم إلى العنف اللفظي تنفيساعن احتقان نفسي وفوران غضب وفشل ميداني، فيما يعمد آخرون في منشوراتهم الملغومة إلى التجريح المبطن واصطناع الغموض كما يفعل الحواة ليؤججوا الفضول البشري لدى متابعيهم ممن يتحرقون شوقاً لمعرفة أسرار المنشور الغامض وفك أحجياته.
ترى الروائية زادي سمث أن "من حق الإنسان و- الكاتب بخاصة - وفي حياة صحية غير مصطنعة، أن يرتكب الأخطاء في عمله وعيشه"، وبعيداً عن المشهد العام سيكون بوسعه معالجة الزلل بهدوء وروّية ليحقق توازنه ويدرك مواضع ضعفه فلا يبقى موهوماً بملائكيته وقدراته الفائقة كما يحصل على منصات التواصل، أما من يرتكب خطأً غير مقصود بزلة لسان أو هفوة عابرة على وسائل التواصل فإنه سيعرض نفسه لتلقي أحكام مرتادي الفيس بوك المتسمة بالقسوة والتشفي والتسفيه، وقد يؤدي تداول قصته وتضخيمها إلى انعكاسات سيئة على عمله وأسلوب حياته وحالته النفسية، في حين يخطِئ معظم الناس بعيداً عن منصات التواصل والمتربصين فيها؛ فتمر أخطاؤهم مروراً هيناً، من غير التعرض للأحكام القاسية والتجريح .
تعترف زادي سمث : " أريد أن امتلك مشاعري الحقيقية، أن أقع في الزلل والأخطاء كما يحلو لي، أن أعرب عما أشعر به في قلبي وعقلي بلا خوف من أحكام الآخرين فذلك حق من حقوقي الإنسانية" وتعقب : صحيح أنني أخطئ كثيراً ،لكني أجيد التعامل مع أخطائي ولاأحملها على محمل الجد بل أرى أن هذه النوع من تواتر الأخطاء لدي هو بالتحديد ما يصنع رواياتي.
جميع التعليقات 1
علاء احمد زكي
تحية وبعد. مقولة في هذا الصدد لجلال الدين الرومي I want to sing like the birds sing, not worrying about who hears or what they think