علي حسين
ينقسم العراق الجديد إلى قسمين: جماعة تعشق دول الجوار وتهيم غراماً بها وهم طبعا الذين انتفخت جيبوبهم وأرصدتهم بعد عام 2003،
وقسم آخر يعشق العراق ويرفض أن يُدجّن ويزدرى، ويحتقر الطائفية والهيمنة على مقدّرات البلاد، وهناك بين هذا وذاك مَن يسمّى الأغلبية الصامتة التي تذهب للانتخابات ليس حبّاً بفلان أو كرهاً لعلّان، لكنها تخاف على رزق أطفالها الذي يتحكم به "مجاهدو" العراق الجديد، الذين يتناسلون يوماً بعد آخر، في ألوان جديدة وطبعات أخيرة، ليس آخرها بالطبع السيد يوسف الناصري الذي أخذ في السنوات الأخيرة يصول ويجول بين أروقة الفضائيات، مرة يتهم سيدة مثل هناء أدور بأنها تشجع على الفسق والرذيلة، ومرة يبكي على العراق الذي دنسته عازفة كمان، ومرة يحرض ضد شباب التظاهرات ويتهمهم بالعمالة للماسونية ، طبعا من دون أن يسأله أحد مَن أنت وماذا تريد؟ سيتّهمني البعض بـ"العبط" فهل يجرؤ أحد مهما علا شأنه أن يسأل شخصا مثل يوسف الناصري: من أنتم وماذا تفعلون؟ سيُتّهم بالخيانة حتماً، أليست أحزابنا العتيدة ومعها الحكومة الرشيدة، كانت قد قررت قبل سنوات وفي لحظة تاريخية مهمة أن صواريخ واثق البطاط وحدها يمكن ان تؤسس لعراق تعددي، وأن العناية بـ"طلّة" حنان الفتلاوي هي التي ستحمل السرور والحبور إلى هذه البلاد!
اعذروني فأنا في مرّات كثيرة لا أعرف ماذا أفعل حين أقرأ، أو أُشاهد مثل هذه الفعاليات الطريفة، هل أضحك من العبث والكوميديا السوداء، أم أصمت من شدّة الكآبة والحزن، من أبرز المضحكات والمبكيات التي حاصرتني قبل أيام وأنا أشاهد الشيخ يسف الناصري يطلق صفة المرتزقة على جيش بلاده، اعتذر من الشيخ فهو ربما لا يريد أن يحمل صفة مواطن عراقي، الشيء المحزن أن الشيخ الناصري وهو يطلق سهامه ضد الجيش ويطالب بالغائه ويتهمه بالخيانة، لم يجد حتى هذه اللحظة جهة حكومية تقول له: لماذا فعلت ذلك؟ وتخيل جنابك لو أن سياسيا أميركيا أو بريطانيا أو حتى إسرائيليا اتهم جيش بلاده بالمرتزقة ، ماذا سيحصل له؟ لكننا في بلاد الرافدين نحتاج إلى رخصة من الجارة العزيزة الأرجنتين، لنسأل الشيخ يوسف لماذ شتمت الجيش؟
في مقابل صورة يوسف الناصري ، كنا قد تأملنا من قبل في صورة المقاتل عبد الوهاب الساعدي يحتضن طفلة موصليّة تنشد الأمان .
في الموصل والأنبار وتكريت وجميع مدن العراق شاهدنا العراق الحقيقي يمشي على قدميه ويصرخ طلباً للخلاص من كل شيء فاسد وباطل، صنعته قوى سياسية اختطفت الوطن وتاجرت بحاضره ومستقبله .
أيها المقاتل العراقي يا من ظلمناك، نعتذر لك ونُحيّيك، ونُقبِّل الأرض التي سال دمك عليها .