TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: في تطويق المباهج

قناطر: في تطويق المباهج

نشر في: 20 أغسطس, 2019: 08:36 م

 طالب عبد العزيز

استخدمت بعض الأحزاب والجماعات الدينية والاجتماعية الحزن مادة حيّةً في مشروعها السياسي في العراق، وباتت تراهن عليه كخامة أولية في بقائها،

ورحت تراهن عليه في مستقبلها السياسي، ونموذجها الاجتماعي. وفي عراق ما بعد 2003 خرج الحزن من كونه مناسبة دينية، وطقوساً وشعائر، ليصبح نمطاً حياتياً سائداً، حتى بات الخروج عليه عند البعض عيباً اجتماعياً، إن لم يكن مروقاً وكفراً وزندقة، بل وذهبوا فيه أبعد مدى، فصار عدم اتخاذه موجباً للقتل في بعض الاحيان. 

ومع أن بعض الجماعات هذه امتلكت محال بيع الخمور والحانات والمراقص الكبيرة واشتغلت في تجارة المخدرات والدعارة، وبما لم يعد سراً عند أحد من العراقيين، إلا أنها نفسها ومن خلال أذرعها إنما تمارس الضغط والترهيب في المجتمع، فضلاً عن خضوع ملايين البسطاء من العراقيين الى ما تبثه وسائل الإعلام، والقنوات التلفزيونية الموجهة تكريس فكرة تحريم الفرح، وتسويغ الحزن والنوح على أنه الوسيلة الوحيدة للتقرب من الله، وكسب مرضاة بيت النبوة والأئمة، وهكذا جعلوا الحزن بوابة الجنة الموعودة .

لم تقتصر وسائل تطويق المباهج وإشاعة الحزن على الجهات السياسية المسلحة، صاحبة المصلحة الكبرى في ذلك، إنما تحوّل الى ممارسة اجتماعية، حتى بات فتح مذياع السيارة على أغنية مستهجناً عند البعض، ونسمع الطرف والمُلح من سائقي السيارات، ممن يتندرون على بعض الركاب، ولعلك تجد من يشنع عليك فتح التلفزيون على قنوات مثل روتانا وميلودي، في مناسبة حزينة أو بدونها. الطقسية السوداء باتت تهدد النفس العراقية من الداخل، وهناك نوع من فوبيا خفية تسري في الدم والعروق، وهناك خشية غير معلنة أو معلنة أحياناً من ارتداء الثوب الابيض في المناسبات الحزينة، التي تبرعمت وتمددت في مفاصل الحياة بعامة.

يلاحظ مواطنو الجنوب أن باعة الثياب السود وأجهزة اللطم والطبول والسيوف عرضوا بضاعتهم في اليوم الأخير من عيد الأضحى، والسوق هنا تزدهر في المناسبة العاشورائية بشكل غريب. القلة القليلة جداً هي التي تعتبر بتضحية الإمام الحسين، وتجعل منها مناسبة مهمة في مراجعة السيرة الذاتية لهم، بما يعزز من صلاحهم وسويتهم، لكن الغلبة الغالبة هي التي ذهبت الى الطقس الشعائري، وجعلت منه مناسبة للوجاهة ومضايقة الآخر، بل وتشويه المدن من خلال غرز الآلاف من البيارق في الأرصفة والجزرات الوسطية، وقلع المقرنص، وما التعبير عن قضية نبيلة مثل واقعة الطف يتم بهذه الوسائل، هي أعمق وأنبل بكثير.

تعجّل جارنا السنّي بزواج ابنه بعد العيد مباشرة، حتى أنه لم يكمل تفاصيل الدعوات، وتأثيث منزله وتسوية أشياءه، ذلك لأنه المحرم لم يمهله، فمدة الـ (عشرون) يوماً بين نهاية العيد وقدوم العاشوراء لا تكفيه، لذا، اقتصر زواج ابنه على وجبة الطعام، وبعض المصابيح الملوّنة وجهاز D G ركن في زاوية بعيدة في المنزل، يبث خفيضاً بعض أغاني الزمن الجميل الذي كان. ولم يفكر إطلاقا باستقدام فرقة سعد اليابس، فالخشابة نوع من خدش في جسد الحزن في الأيام التي تسبق العاشوراء بنظر البعض.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram