علي حسين
في رسالة يوجهها حائز نوبل الفرنسي أاندريه جيد الى عميد الأدب العربي طه حسين، يلخَّص فيها حالنا نحن الكُتـّاب :
"أخشى أنّ الأبواب والنوافذ لا فائدة منها في بلدانكم.. مسائل الحرية والمستقبل لا تعني أحداً، فلماذا تعـذِّب نفسَك في حفر الجدار بمِعولٍ من الكلمات؟".
تذكرت هذه العبارة، وأنا استمع لخطبة رجل دين يهاجم مواقع التواصل الاجتماعي ويعتبرها رجسا من عمل الشيطان، ويؤكد أن هذه المواقع وأصحابها جواسيس هدفهم الأساس تشجيع العراقيين على الإباحية والسخرية من علماء الأمة، والغريب أن الشيخ الفاضل يبث خطابه عن طريق صفحته في الفيسبوك، فأثبت لنا بالدليل القاطع أنّ زوكربيرغ متآمر، لأنه سمح لبعض الوجوه الثقيلة أن تطل علينا بخطاب ساذج، فيما تحاصرنا وجوه الساسة من كل مكان، يخرجون إلينا بوجوه كالحة وبأرواح فارغة من ذرّة حب واحدة لهذا الوطن.
المؤامرة الأخرى التي يقف وراءها صاحب موقع فيسبوك هي المعركة التي دارت خلال الأيام الماضية على صفحات موقعه كان أبطالها جماعة الحشمة والفضيلة في الفلوجة الذين غضبوا وزمجروا لأن مدينة الحبانية أقامت عرضا للأزياء.. وهو ما يشكل إساءة للأعراف العشائرية كما قال أصحاب البيان.. وكنا نتوهم أن مشكلة العراقيين الحقيقية مع تفشي الفساد المالي والإداري ونهب ثروات البلد وغياب الخدمات والبطالة وارتفاع معدلات الفقر، فاذا بنا نكتشف أن استعراضا رياضيا راقصا وعرض أزياء تراثية ولبس البرمودا، والاختلاط في الجامعات هي السبب في ضياع مئات المليارات من الدولارات وفي تهجير أكثر من خمسة ملايين مواطن وفي موت الآلاف، فيما الشيخ لا يزال يقسم بأغلظ الأيمان أنّ الفيسبوك هو سبب " البلوى " التي وقعت على راس العراقيين ، وليس الحاج أبو إسراء ومعه أكثر من 4000 علي بابا.
المعركة البرمودية في المحافظات تثبت أننا شعوب نتربع على قمة الدول الفاشلة بامتياز، سيقول البعض متى تتوقف عن التهريج يا رجل؟ وحتما هناك من سيسخر ويقول "هكذا أنتم معشر "الإمبرياليين"، لا يعجبكم العجب".
من حق أجهزة المحافظات أن تمارس دورها في حماية الناس، ولكن ليس من حقها أن تنصّب نفسها مسؤولة عن أخلاق الناس وسلوكهم الاجتماعي وملبسهم ومأكلهم، من المعيب أن يخرج مسؤول حكومي في القرن الحادي والعشرين وفي بلد يتشدق ساسته بالديمقراطية وحرية الشعوب ليقول لنا إنهم يطاردون الشباب من أجل المحافظة على قدسية المدينة، في الوقت الذي يسكت فيه هذا المسؤول عن غياب الخدمات وانتشار المخدرات وازدياد نسب البطالة، ومن المخجل والمثير للقرف أن نطارد شبابا بحجج مضحكة فيما هم يتعرضون لظلم كبير بسبب البطالة والانتهازية وعدم تكافؤ الفرص والاستحواذ الذي تمارسه الكتل السياسية على كل منافذ الحياة في العراق.