TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: مايفعله النجم

كلاكيت: مايفعله النجم

نشر في: 21 أغسطس, 2019: 09:21 م

 علاء المفرجي

في كتابه المهم (أحاديث حول الإخراج السينمائي) يورد لنا المخرج الروسي الكبير ميخائيل روم تجربة له تتعلق بعمل الممثل وضرورة استيعابه أبعاد الشخصية المراد تجسيدها،

خاصة إذا كانت شخصية واقعية ولها آثارها التي تنطق بها والشواهد التي تدل عليها، لتوفير قدر من الاقناع والصدقية لدى المشاهد، ويتحدث روم في كتابه عن الممثل الفذ بوريس شوكين الذي أسند اليه دور شخصية (لينين)، وكيف أن شوكين كان يعمل على نموذج هذه الشخصية بالاستعداد لها قبل أكثر من عام على بدء التصوير، وبشكل تفصيلي من قراءة كتاباته، ومشاهدة الوثائق السينمائية عنه، والاشتغال على النص باقصى درجة من العناية، لدرجة أنه استقدم جراحاً مجرباً لدراسة حالة الشخصية وهي مصابة بجرح، بل إنه التقى في أحد المستشفيات بالأشخاص الذين يتعرضون للإصابة نفسها.

أسوق هذه المقدمة وأنا اتابع توجه شركات الانتاج التلفزيوني لإنتاج أعمال درامية تتناول جوانب من التاريخ المعاصر، وهي الأعمال التي لم يجرؤ صنّاع الدراما على الخوض فيها في زمن الاستبداد الدكتاتوري لحساسيتها، واقترابها من المناطق المحرمة التي يمكن لها أن تثير لهم الكثير من المشكلات مع سلطة الرقيب.

وأحسب أن ارتياد هذه المنطقة البكر من الموضوعات الدرامية، يستلزم الكثير من العناصر المهمة، التي يجب أن تتوفر لصنّاع هذا النوع من الدراما، خاصة أن هذا النوع من الأعمال غالباً ما يستقطب اهتمام قطاع واسع من المشاهدين، لأسباب كثيرة، ليس هذا مجال الخوض فيها.

ولعل الاهتمام باختيار الممثل الشخصيات المُراد تجسيدها في مثل هذه الأعمال واحد من أهم أسباب نجاح هذه الأعمال بافتراض أن الممثل الذي يقع عليه الاختيار يجب أن يكون بمستوى اهتمام كاتب النص بتفاصيل هذه الشخصية أو تلك، وأن يكون ملماً بأبعاد هذه الشخصية بالحد الأدنى لإلمام ممثل مثل شوكين بشخصية مثل شخصية (لينين).

وهنا أشير للنجم الفذ دانيال دي لويس وهو من الممثلين الذين يجهتدون في الإعداد للدور قبل التصوير.. ويكاد هذا الممثل أن ينفرد بمثل هذه الصفة في الأقل على مستوى ابناء جيله.. فقد انخرط بمركز للإعداد البدني لشهور عديدة ليبني جسداً متلائماً لشخصية من القرن الثامن عشر يقوم بتربيته الهنود في فيلم (آخر الموهيكانز).. وهو من أجبر نفسه لمهمة صعبة تطلبت أن يتقن اللغة التشيكية في وقت قياسي، لتكون لكنته ملائمة لدوره كبطل لرواية ميلان كونديرا (خفة الكائن التي لا تحتمل) تحت إدارة المخرج فيليب كوفمان.. وتطلب دوره الذي وضعه على طريق المجد وخطف به أوسكاره الأول في فيلم (قدمي اليسرى) أن يقضي أسابيع عدّة على كرسي متحرك، ويمارس استعمال الريشة بقدمه اليسرى أما عندما استعان به مارتن سكورسيزي في فيلمه (عصر البراءة)، ولكي يعيش اجواء الشخصية المسندة له في هذا الفيلم، فقد اشترى أزياء القرن التاسع عشر وعاش وحيداً في شقة استأجرها وكان هذا السبب في أن يلفت إليه نظر عبقري الاخراج سكورسيزي في فيلم آخر هو (عصابات نيويورك)، وهكذا عند نصب خيمة في إحدى الغابات ليعيش فيها وحيداً بمنأى عن كل ما يمت للعالم الحديث بصلة، تاركاً أظافره وشعره تنمو، ليكون جاهزاً لدور فلاح من القرن السابع عشر في فيلم (The Crucible) المعدّ عن مسرحية آرثر ميللر (البوتقة).

والمتابع للبعض من هذه الأعمال، لا بد له من أن يقف أمام القصور الواضح لممثلينا في تجسيد الشخصيات المسندة إليهم، وأن يكتشف الفقر في المعلومات عن هذه الشخصيات باقتفاء أثرها، ودراستها وجمع المعلومات عنها، على الرغم من قصر المسافة الزمنية عنها، ووجود الأشخاص الذين عاصروها على قيد الحياة.. وهي مشكلة يتحمل المخرجون قسطاً وافراً منها باعتمادهم المواصفات العامة في اختياراتهم ومن استبطان قدرات الممثل وامكاناته الادائية على التصدي لمثل هذه الأدوار.

في الافق أكثر من مشروع من هذا النوع، وهو أمر يتطلب الدقة في الاختيار إن كان هناك حرص على استيفاء كل عناصر النجاح لهذه الأعمال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram