د. فالح الحمـراني
خرجت الدورية الأسبوعية الروسية " العرض العسكري المستقل" في عددها الصادر الجمعة الماضية بعنوان مثير للجدل يقول:
"افتراضات بتواطؤ روسيا مع الولايات المتحدة وإسرائيل. رصدوا "أثر" روسيا في الهجمات على العراق"، مشيرة الى ما تناقلته الصحافة العربية والأجنبية بهذا الصدد. والمعروف أن روسيا تسعى الى تطوير العلاقات مع العراق، وتؤكد دائماً على دعمه في مواجهة الإرهاب وصيانه أمنه، والحفاظ على وحدة أراضيه.ومن المرتقب أن يقوم وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بزيارة الى العراق في تشرين الأول المقبل.
وقالت صحيفة " أم كا " ( موسكوفسكي كومسموليتس ) "إن روسيا في وضع صعب للغاية في الشرق الأوسط: فالدولتان اللتان ترتبط بهما بمستوى عالٍ من التعاون الموثوق به : إيران وإسرائيل - تقعان في الواقع في حالة حرب مع بعضها البعض. من ناحية، تقدم وسائل الإعلام الروسية تقارير منتظمة عن قصف الطائرات العسكرية الإسرائيلية لمختلف أنحاء الأراضي السورية" ( والآن العراق)، وأضافت " ولكن لا ننسى أن الطائرات الإسرائيلية في سوريا تقصف بشكل حصري البنية التحتية التي أنشأتها إيران وجماعاتها المسلحة غير الشرعية!، المتمركزة في سوريا، وفي لبنان - من قبل قوات حزب الله. وقالت : إن إسرائيل قلقة للغاية من المحاولات الإيرانية لإنشاء قدرات إنتاج صاروخي عالي الدقة في لبنان، وتزويد صواريخ حزب الله الحالية بأنظمة توجيه دقيقة. وأضافت " ومن ناحية أخرى، أن حماس، وخاصة حزب الله، تشن الحرب ضد إسرائيل بدعم إيراني وبأموال إيرانية". ولاحظت : "وجدت روسيا في ظل هذا الوضع، وليس بمحض إرادتها الحرة، نفسها في وضع صعب للغاية في السياسة الخارجية، وشاركت في حزيران الماضي بقمة قادة مجلس الأمن في روسيا والولايات المتحدة الأميركية ولم تُعقد فقط في إسرائيل، بل وفي القدس، التي لم يتم الاعتراف بها من قبل معظم دول العالم بما في ذلك روسيا، كعاصمة لإسرائيل – ومع ذلك لم يصدر بيان واحد مناهض لروسيا من طهران. وسيكون دائما كذلك".
وفسرت وسائل إعلام روسية أخرى تصريحات الناطق باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول التي علق فيها على الإجراءات الجديدة للحكومة العراقية لحماية المجال الجوي عبر العراق، بأنها تعبير جديد عن حاجة البلاد إلى أنظمة الصواريخ الروسية S-400 المضادة للطائرات، على خلفية تجدد تعرض مواقع الحشد الشعبي لضربات جوية، التي اعترفت إسرائيل بالوقوف وراءها. وترى أن مشكلة استيراد الجانب العراقي أس 400 تثير سؤالًا حول كيف سيكون رد الجانب الأميركي وأية إجراءات يمكن أن يتخذها. ويدرس الكونغرس الأميركي بعناية تصريحات المسؤولين العراقيين. وقد تشير الإجراءات العراقية الأخيرة إلى رغبة بغداد إظهار للولايات المتحدة أن لها الحق في التحرك كدولة مستقلة . ومن المحتمل أن يكون شراء S-400 استمراراً منطقياً لهذه الإجراءات. ويجري النظر في المنطقة الى مثل هذه الإجراءات بشكل مختلف - كدليل على انجراف بغداد نحو طهران. ولم ترد وزارة الخارجية الروسية على سؤال لصحيفة " العرض العسكري المستقل" عن المرحلة التي وصلت لها المباحثات مع العراق بشأن بيع أس ـ400.
وتزامنا مع تلك التطورات رددت "العرض العسكري المستقل" ما تناقلته وسائل إعلام عن مصدر دبلوماسي غربي قوله : إن إسرائيل ضربت مواقع الميليشيات الشيعية في العراق بإذن من روسيا والولايات المتحدة. وأكدت بأن سلاح الجو الإسرائيلي كان وراء التفجيرات المتزايدة في المنشآت العسكرية، لكن بسبب الاتفاقات مع موسكو وواشنطن.
وفقاً للمصدر الدبلوماسي، فقد وافقت موسكو وواشنطن على حق الإسرائيليين في حملة عسكرية محدودة ضد القوات الموالية لإيران في العراق. ومع ذلك، تشير الاتفاقات مع اثنين من اللاعبين العالميين إلى أن إسرائيل لن تتحمل مسؤولية العمليات بشكل علني. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع السلطات الإسرائيلية من تقديم تلميحات صريحة للتورط في تدمير المستودعات على الأراضي العراقية. لذلك، قال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أثناء زيارته العاصمة الأوكرانية كييف: إن إيران لن تتمتع بالحصانة في أي نقطة في المنطقة. واللافت أن وزارة الخارجية العراقية والخارجية الروسية لم تنفِ أو تؤكد تلك الأنباء، مع العلم ان الجانب العراقي يمكن أن يتحقق من مصداقية هذه الأنباء من خلال مركز المعلومات المشترك الذي يتخذ من بغداد مقراً له، وتشارك فيه أيضا إيران، فضلا عن القنوات الدبلوماسية والعسكرية الأخرى بين البلدين.
ونقلت وسائل روسية عن بيان نشر على مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على تويتر الجمعة إن بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين تطرقا في محادثة هاتفية يوم الجمعة الى تعزيز التنسيق بين الجيش الإسرائيلي والروسي فيما يتعلق بالوضع في سوريا. وقال البيان: "ناقش الزعيمان تطور الوضع الإقليمي والوضع في سوريا، مع التركيز على تعزيز آليات التنسيق بين الجيشين". ويقول خبراء روس إن موسكو غير معنية في الدخول في مواجهة مع إسرائيل في المنطقة، وتدعو الى إيجاد تفاهم بين إسرائيل وإيران.
وتقول الدورية الأسبوعية " العرض العسكري المستقبل" إن الاتفاق المزعوم بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل على العراق قريب جداً من روح الاتفاق القائم بينهم في سوريا. ونقلت عن فريدريك هوف، المبعوث الخاص السابق لوزارة الخارجية للانتقال السياسي في سوريا: "إن روسيا والولايات المتحدة على خط واحد فيما يتعلق بالغارات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية تشكل تهديداً لإسرائيل"، ولكن، برأيه، هذا يحدث لأسباب مختلفة تماماً. ويرى أن الهدف الرئيس للرئيس فلاديمير بوتين في سوريا هو الحفاظ على نظام الأسد، وتحتاج روسيا إلى الميليشيات التي تسيطر عليها إيران لاستكمال جيش الأسد المنكسر، لكن موسكو لا تحتاج إلى أن تتخلى طهران عن "زبونها السوري"، وتشكيل جبهة مقاومة معادية لإسرائيل. لذلك، فإن فهم بوتين و نتنياهو يتناسب مع التركيب: هيا اضرب الأهداف الإيرانية التي تعتبرها خطراً عليك، ولكن لا تهاجم الأهداف المرتبطة بنظام الأسد. " والكلام لفريدريك هوف
ويعتقد الخبير أن الربح المتوقع للقيادة الروسية سيكون بإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي في النهاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالحفاظ على بشار الأسد كرئيس للدولة السورية. "الدافع الأميركي ينحصر في ، أولاً ، من الضروري دعم جهود إسرائيل للدفاع عن النفس، وثانياً لإعطاء وزن إضافي لحملة" أقصى الضغط "على إيران ،" وحسب قناعة هوف : في الوقت نفسه ، تبقى موسكو وطهران على نفس الخط فيما يتعلق بدعم الأسد. وربما ترى روسيا أن حملة إيران المعادية لإسرائيل هي حملة متهورة وخطيرة. ولكن ، أولاً ، لم تتمكن موسكو من وضع حد لها، وثانياً ، أعطت المغامرات الإيرانية روسيا الفرصة لجذب إسرائيل إلى حملتها التي تحمل اسم "ارفعوا أيدكم عن الأسد".