عباس الغالبي شهد العراق بعد عام 2003 ظهور العديد من مراكز البحث والاستطلاع الاقتصادية كمنظمات مجتمع مدني ، واخذت في حينها حيزاً كبيراً من التنظير واعداد البحوث التي تتضمن المقترحات والرؤى التي كانت تصب في عملية الاصلاحات الاقتصادية والكيفية التي ينتقل فيها الاقتصاد من المركزية المفرطة الى فضاءات اقتصاد السوق ، حيث درجت في حينها على عقد المؤتمرات والطاولات والحلقات النقاشية ونشر البحوث والدراسات على المواقع الالكترونية .
الا انها اخذت شيئاً فشيئا بالانزواء والركود ومن ثم التلاشي الى لاشيء وكأن الامر فورة ماء سرعان ماتنتهي وينتهي معها كل شيء ، في وقت ان كثيرا من البلدان تعتمد بشكل كبير على ماتطرحه مراكز البحث والاستطلاع من افكار ورؤى حيث تتعامل معها بأهمية بالغة وتضمين الكثير منها في البرامج الاقتصادية لحكومات البلدان .ولم يبق في الساحة الا المعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي الذي يجتهد دائما في اقامة الندوات والحلقات النقاشية في شتى المحاور والقطاعات الاقتصادية وهي بلاشك غاية في الاهمية بضوء الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد العراقي والتي تتطلب افكارا وبرامج تصب في بوتقة الاصلاح الاقتصادي الذي يعد الان ضرورة قصوى للاقتصاد .وانطلاقاً من الاهمية البالغة للمراكز البحثية فأن الحاجة ملحة الان لتنشيط دورها من جديد او استحداث مراكز اخرى تتولى عملية البحث والاستطلاع في المحاور الاقتصادية كافة وخلق عملية تثقيفية ومعرفية في آن واحد من خلال النشاطات التي تتولى هذه المراكز عملية تنظيمها بمشاركة مؤسسات حكومية واخرى من القطاع الخاص سعياً للوصول الى مشهد اقتصادي خال من الظواهر السلبية . ولعلنا في المدى نكون قد عملنا منذ فترة في هذا الاتجاه من خلال المؤتمرات والطاولات المستديرة التي تناقشالمشكلات وتحدد أوجه الخلل وتقترح الحلول ، وهو دأب نحرص كمؤسسة اعلامية على اشاعته وتعزيزه وترصينه وتأكيد وجوده وجدواه في المشهد الاقتصادي .ومن اللافت للنظر ان الكثير من المراكز التي توارت عن الانظار كانت تمول من جهات واوساط محلية ودولية لغايات واهداف مرحلية وبعضها مصلحية وبمجرد توقف التمويل المالي غابت عن المشهد تماماً ، مايجعل الضرورة ملحة الان لحث المراكز البحثية في الجامعات العراقية المتخصصة في الجانب الاقتصادي لتفعيل هذا الدور المهم سعياً لتقديم الخبرة والمشورة وتشخيص الاختلالات بدقة وعلمية وصولاً الى المبتغى الاساسي في عملية الاصلاحات الاقتصادية ، ويقيناً ان الاخوة الاكاديميين يمتلكون من الامكانية والخبرة والعلمية مايجعلهم قادرين على النهوض بهذه المهمة في وقت يفترض ان تكون المؤسسات الاعلامية الرصينة في البلد تؤازر وتساند هذا الجهد بقوة سعياً لتكامل المهام في العملية الاقتصادية ، وهي ايضاً تندرج في ذات الوقت في اطار الحس الوطني في ضرورة ايجاد اقتصاد معافى متعدد المصادر والجوانب مندمجاً مع الاقتصاديات العالمية.
اقتصاديات: مراكز البحث الاقتصادية
نشر في: 3 مايو, 2010: 07:01 م