TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: العراق ياباناً في الشرق الأوسط

قناديل: العراق ياباناً في الشرق الأوسط

نشر في: 7 سبتمبر, 2019: 06:08 م

 لطفية الدليمي

الأحلام قرينة الحياة الطيبة. لاحياة طيبة بدون أحلام ، والمادة الحلمية هي الترياق الذي به تُستَطابُ الحياة .

كم هي سخيفةٌ حياةٌ تُعاش بغير حلم يغذيها ويدفعها إلى مرتقيات تبدو في القياسات ( غير الحلمية ) عصية المنال . 

كانت موضوعة ( أدبيات التنمية البشرية والإقتصادية ) واحدة من موضوعاتي الأثيرة التي شغلتني منذ بداية سبعينيات القرن الماضي ، وأردتُ منها الوقوف على الأسباب التي جعلت العراق يعيش حالة إستعصاء تنموي مستديم برغم بعض مظاهر البحبوحة المالية والثقافية التي عاشها في خمسينيات وستينيات ومعظم سبعينيات القرن العشرين. لستُ هنا في موضع الحديث عن بعض سرديات الموضوعة التنموية في الحالة العراقية ؛ لكن مايهمّني بالتحديد عبارة وردت على لسان الأمير ( الحسن بن طلال ) قال فيها إنه يطمح أن يرى الأردن ( سنغافورة ) في الشرق الأوسط . منذ ذلك الوقت تلبّستني رؤية حلمية فنتازية لم تنفكّ تطرق عقلي بالتساؤل اللحوح التالي : إذا كان الأردن مستحقاً أن يكون ( سنغافورة ) في الشرق الأوسط ؛ ألن يكون الإستحقاق الطبيعي للعراق، إذن ، أن يكون ( ياباناً ) في الشرق الأوسط ذاته ؟ 

ثمة مغالطة جوهرية - كشأن الكثير من المغالطات الأخرى - يختصّ بها الفهم الشعبوي للعلم والتقنية ؛ إذ يحسب الناس في العادة سكّان البلدان التي أنجزت مستويات متقدمة في التطبيقات التقنية وكأنهم مخلوقات خاصة صُنعت بطريقة غريبة ويمتلكون عقولاً لاقدرة لنا على مجاراتها ، وليس مثال ( كوكب اليابان ) سوى واحد من الأمثلة التي تركّز علوية النموذج الياباني وفائقيته من جهة ، وعجزنا وقلة حيلتنا من جانب آخر . ليس هذا الكلام تماهياً مع طبيعة الخطاب الشعبوي البائس الذي يرى العرب ( خير أمة أخرجت للناس ) وأن ( القومية العربية أشرف القوميات ) . لاعلاقة للقوميات والإثنيات بالإنجاز العلمي والتقني المتفوّق، والموضوعة بكاملها هي مسألة عقل مهذّب منضبط يسعى لإضافة بصمة مميزة للنوع البشري، ثمّ تأتي السياسات الحكومية لتعزّز التطلعات الفردية . 

هل كان يمكن للعراق أن يكون نموذجاً يابانياً في الشرق الأوسط ؟ الجواب : نعم كبيرة وبأعلى صوت . إذن، لماذا فشلت عقود عديدة من التنمية المزعومة في جعل العراق ذلك النموذج العتيد ؟ هذا سؤال صعب بالتأكيد ؛ لكني سأختزل إجابته في ثلاثة عوامل : 

أولاً : المناكفات السياسية والحروب الصراعية الحزبية التي إختزلت العراق في صورة جسم حزبي مثقل بعفن الآيديولوجيا الممرض حتى بات العراق جسماً عليلاً تنهشه العلل الجسام. العلم والتقنية لايحبان الآيديولوجيا بل العقل الرشيق المتخفف منهما ، والنتيجة الحتمية هي أن يصبح المتحزبون أعداء للتقنية وإن لم يشعروا .

ثانياً : العقلية الفقهية النكوصية التي تستطيب ترديد الأمثولات التراثية البائسة وتراها ميزة حضارية كبرى. 

ثالثاً : إعتبار العراق خزانة نقود خلقها الإله وأنعم عليها بالمَدَد النفطي لكي تطعم الأفواه المفتوحة وتملأ الجيوب التي لاتعرف الشبع . 

ماذا حصل بعد كلّ هذا ؟ تبدّد الحلم بفعل الغباوة والغطرسة والصفاقة وإعلاء النزعات المحلية الضيقة التي تكتنز كراهية مفجعة للعراق . لم يعُد العراق بعيداً عن ملامسة تخوم النموذج الياباني فحسب بل صار القيّمون عليه أقرب لمثال قادة المافيا المتغوّلين الذين يريدون شفط آخر قطرة من خيره قبل أن يتركوا السفينة العراقية المثقوبة لكي تغرق مع راكبيها التعساء . 

ضاع الحلم وانكفأ الحالمون على أنفسهم يلعقون مرارة أحلامهم المقتولة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram