طالب عبد العزيز
من أجل أن تنأى بنفسك عن هذه وتلك، كان لك ان تتخذ من جذع نخلة، في أقصى سباخك متكأً، تحدث انسانك الذي فيك بحديث الماء والقوارب والاشرعة الهاكلة.
هذه أرض عزَّ على ساكنها الصبر، هذه بلاد يقرض أمنها قوم لا يؤتمنون، وتفرض قوانينها على ضعفائها، بينهم من يرفع ذراعه عالياً مع صوت طبل كبير بغيته أن يدخلك الرعب الذي نأيت عنه، وآخر يشج رأسه صاحبه فيرعبك، فلا خير في من يجيؤك بحديث مستل من كتاب أصفر لا ليضيئ وجهك بنوره، إنما لكي تسلم الروح على يديه، هذه بلاد إن أحببتها قتلتك ملائكتها، وإن غادرتها تركت عيالك فيها للسبي.
لا تكتب في صفحتك ما تريد، لئلا يقرأ صاحبُ ابنك ما كتبت، ولا تنشر صوراً ملونةً تضمك والنساء، فهذا مما لا يليق بك أباً وجدّاً، لك من الحفدة والأسباط ما لك، لذا تجرّأ واحذف صداقتك مع ابنك وشقيقه، وزميله ورفيقه، لئلا تحرج احداً منهم، فقد أصبحنا عار أهلينا كما وصف "الّشبلي" نفسه ذات يوم. ولأنك ماعدت من الملة بشيئ، بحسب وثائق هؤلاء وأولئك، سيتوجب عليك السماح لأحدهم بأن يغرز بيرقاً، يخالط السماء، أعلى الدار، وليترامح طولياً مع طبق النخلة، ولاقط الانترنيت، ولا بأس بان يعلوه كثيراً، فهذا زمان يُحترم فيه من علت بيارقهم، وكبرت قدورهُم، ومُلئت بالرز واللحم صِحافهم. لذا، ومن أجل عيون أبنائك وزوجتك وكنّاتك وأحفادك وأسباطك إجعل من صوت الـ دي جي عالياً، ولا بأس بشيئ من الرماد قرب الباب.
إياك والازرق من الثياب فانه لون الموسيقى، وإياك والابيض أيضاً، فهو صوت القادمين من المسرات، كل جدار في المدينة اسود، وكل الحدائق منزوعة المباهج، فلا تفزع الشجر بصوت فيروز، واترك النفايات قرب باب الدار، هذا يوم للكمد، وعمال النظافة لا يستعجلون رفعها اليوم، هم في سبخة من الارض ينتظرون، لا تقل لصاحبك صباح الخير، عن أي الصباحات تتحدث، أخف كيس المكسرات عن عين زوجتك، هي تريدك واقفا مع حشد الواقفين، بين الأثافي، توقد وتجمع وتحصي وتتجهم. قل لأبنك ألا يضحك، علمه كيف يراكمُ الدمع في مقلته ويبكي، علمه ألا يمشط شعره، وليمتنع عن محاورة طلاب الموسيقى، وليذهب ضياء غرفته الى دارة أخرى، غير دارنا.
من النافذة تسمع الطبول متجردة من الرأفة، وصلصلة السلاسل وهي ترتطم باللحم، تنزعه أحمرَ وسخاً، وفي الزجاج ما يرتطم بقلبك من الحديد، فينغلق بابٌ أطلت تشرعه للسلام. احدهم يتسلل بمدية الى حديقة روحك، أكثرُ من مدية ترفع بين البتلات، والظلام يرين، هناك من اطفأ مصباحاً، وأكثر من واحد لا يأبه لانطفاء المصابيح على العشب . اتخرج؟ أتجرأ ؟ وأنت شلو رفيف وآس، كن في الغرفة الاخيرة من البيت، وأغلق النوافذ كلها، إجعل يمينك على يسارك، وظهرك الى بطنك، وأمامك الى خلفك.. وتدثر بقصيدتك الاخيرة، أكمل كتاب أسمائك الذي ابتدأته الشهر الاخير، وأحمل الى وسادتك ما شئت من الاحلام، هناك، في الظلام الذي يرين، من لا يعثر عليك بين الآمال والمماحي الكثيرة.