علي حسين
هل ينتمي أولئك الذين يسرقون أموال وأحلام العراقيين ومستقبلهم إلى القيم والمثل العليا التي جاء بها الإمام الحسين؟
هل يستطيع من يدَّعون حب إمام الأحرار الوصول ولو قليلا إلى خصاله وفضائله؟ لا أظن أن هؤلاء الممتلئين غلظةً وقحطاً روحياً يمكن أن يكونوا يوماً جزءاً من مسيرة الحسين، فمثل هؤلاء يسيئون إلى قيم العدل التي نادى بها سيد الشهداء، لأن الاعتزاز الحقيقي بالحسين يفرض على أصحابه أن يقرأوا سيرة هذا الرجل العظيم، ويتوقفوا عند قصته مع الحق والعدل، لقد أدرك الحسين منذ أول سهم أطلق من معسكر يزيد أن هذه الأرض إنما أعدت للباحثين عن المحبة واليقين، ولم تعد للمزورين وناهبي قوت الفقراء، والمرائين ومنتهكي الأعراض وذئاب الطائفية. اليوم يستعيد البعض من ساستنا "الأكارم" ذكرى الإمام دون أن يدركوا ماذا تعني ثورته، وأظنهم لم يقرأوا يوماً ما قاله الحسين حين رفض أن يتولى أمر العباد رجل ظالم مثل يزيد "من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحُرَم الله، ناكثاً لعهد الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله".
اليوم علينا أن نعيد خطاب الحسين عن العدل والحق والحرية، ونحن نواجه سياسيين ومسؤولين لا يعرفون معنى أن ينهض الإنسان باسم الحياة، مسؤولين وسياسيين يبكون الإمام جهاراً ويجلسون مع يزيد سراً، يريدون منا أن نُثني على من يمارس الظلم، ونرى المآسي ونغمض أعيننا عنها، ينسون أن إمام الحرية علمنا أن الكلمة دليل يكشف الغُمَّة، وقال لنا إن تضحياته ما هي إلا كلمة تضيء الدنيا، وتزلزل أركان الظلم، وتشيد عصر الحرية، وكان وهو يتجه لإعلاء كلمة العدالة، قد حذّرنا من ذليل يستحلي العلم، ومن لسان ينطق بما يأباه الضمير، من حكام يكذبون ويغدرون ويفتكون، ومن ضعاف ينافقون ويزورون.
اليوم نتذكرك يا إمام المستضعفين، ونحن نعيش وسط حكام يزورون ويغدرون ويفتكون وينافقون، نتذكرك بعد أن أصبحت الحقيقة حيرى حزينة، فيما الرذائل أصبحت هي الفضائل، نتذكرك وقد غدا البهتان والتزييف والكذب هي طريق النجاح واستقوى الوضيع وتحكم الفاسدون والمرتشون في مصير الناس، نتذكرك وقد أصبحت المنافع والمكاسب ميزان الحكم، نتذكرك اليوم وقد ازداد الفقراء فقراً واكتظت جيوب الساسة والانتهازيين بالسحت الحرام.
اليوم نتذكرك يا إمام الحرية، ونحن نرى ساسة يتحدثون ليل نهار عن القيم الدينية، وأخلاق الحاكم، ورضا الله والعباد، ومصطلحات وعبارات ضخمة، لكن أكثرهم لا يؤمنون بما يقولون، سياسيون تعددت صورهم وأشكالهم، بعضهم لبس عباءة الفضيلة ليداري رذائله، روائح فسادهم ملأت أروقة مؤسسات الدولة وتسربت منها إلى الشوارع والأقضية والنواحي والمدن، وتحول بعضهم إلى مصيبة وقعت على رؤوس الناس، يتحدثون في ثورة الحسين لكي يخدشوا نصاعة وجهها وروعة مبادئها، وليجردوها من أهم ما جاءت به من معاني الرحمة واحترام الحياة، يدافعون عن الفساد والمفسدين والمرتشين، ويؤلبون فئة على أخرى، ويقيمون الدنيا ويقعدونها من أجل الحفاظ على كراسيهم.
سيدي إمام الحرية.. ضعاف النفوس في بلادي توحشوا وأصبحوا ذئاباً للطائفية ونسوا أنك لم تكن طائفة، بل كنت وما زلت أُمَّة للمستضعفين السائرين على طريق العدل والحب والتسامح.