عبدالله السكوتي يحكى ان رجلا سأل الشاعر بشار بن برد عن دار يجهل عنوانها وكان بشار اعمى ، فهداه اليها فلم يهتد فعتب الرجل عليه فقال بشار :اعمى يقود بصيرا لا ابالكم/ قد ضل من كانت العميان تهديه
وهذا الكلام يراد منه العمى المعنوي وليس العمى الحقيقي لانهم قالوا في الامثال :(اعمى يكود بصير ، من جلة التدبير) ، وهذا المثل كان شائعا في بغداد في المئة الخامسة للهجرة ، حتى قال احد الشعراء في ذلك :اعمى يقود وعهدي/ بكل اعمى يقادوقال آخر:ياللرجال لداء لادواء له/ وقائد القوم اعمى قاد عمياناوهذا جميعه ممايتندر به الشعراء ، وذلك حين يرشد المبصرين من لايرى الامر على حقيقته او من لايسوسه بشكله الصحيح ، ونحن في هذا لانريد الاشارة السيئة ، وانما نحذر من عدم الرؤيا الصحيحة وليست الرؤية الصحيحة، ليتدارك الامر من يستطيع تداركه، ويجد حلا للعقدة التي عقدت بعد الانتخابات بسبب صراع الارادات، حيث بدأ الحوار يتحول الى اتهامات ومحاججة ربما بعيدة عن التفكير برأب الصدع الذي اعترى العملية السياسية في العراق ، وفي زحمة صراع الارادات هذا تتسع الفجوة لتبدأ تصريحات البعض بتذكير البعض الاخر انه لولا الجهد الدولي لما كنتم في مناصبكم وهذا الكلام مردود على قائله ، لان من صنع التغيير ارادة الشعب العراقي وليس التدخل الخارجي ، لقد دفع الشعب دماء غزيرة حتى استطاع تحشيد الرأي العام العالمي ضد النظام السابق، مقابر جماعية ورؤوس مقطوعة وحتى اللحظة مازال العراقيون يدفعون ثمن سعيهم في سبيل اسقاط الدكتاتورية، لايجوز ان تصادر ارادة الشعب العراقي ويجرد من تضحياته التي قدمها طوال السنين الماضية ؛ من المؤكد ان الذي يرى الحقيقة ويخفيها هو اعمى ولايمكن ارشاده او الاستعانة به على معرفة الطريق ، حسنا امتلك المسوغات للاستعانة بالخارج لا احد يمنع لكن لاتجرد الشعب من ارادته. وفي خضم هذا الصراع تترك الساحة جاهزة للمتربصين ومن المؤكد ان القاعدة ومن لف لفها يتمنون هذا الوضع اللادستوري والذي ربما يمتد الى اشهر طويلة اخرى، لان علامات الفرج التي تلوح في الافق تلاشت، ماعدا قرارات من كتل تحاول ان تتدارك الوضع الحالي، حين قامت بسحب اعتراضاتها على عملية العد والفرز وهذا جهد يحفظه الشعب ويقدره حق تقديره؛ رئيس المفوضية فرج الحيدري هدد بالاستقالة اذا ما طلب منه اعادة عمليات العد والفرز في عموم البلاد ؛ لقد اضحت عملية اعادة العد والفرز من اخطر المشاكل التي تواجهها الكتل البرلمانية وتواجهها الديمقراطية في العراق ، على اعتبار ان الانتخابات لن تنتهي بانتهاء السنين الاربع الاتية ، وستكون مشاكل العراق مضاعفة اذا مادرجنا على مثل هذه الديمقراطية غير الرصينة.ولكي تتم عملية الانتفاع من الديمقراطية عليها ان تكون سهلة ولا تترك آثارا جانبية على المجتمع ، والا مانفع شيء يختلف عليه الداعون اليه والمشتركون فيه ، وهذا لان مايحدوهم مصالحهم الخاصة ، ولو انهم آثروا مصلحة الوطن للاحظوا ماوصل اليه ؛ في الخميس الماضي احتجزت دولة جارة طائرة نقل تابعة للعراق مؤجرة من شركة سويدية في مطار في لندن ولولا انها تعود لشركة سويدية لصودرت ، وبالامس الاول وصلت ذراع القاعدة الى امريكا وفجرت هناك، ناهيك عن المشاكل الكثيرة العالقة بين العراق ودول جواره ،الايحتاج هذا كله الى عمل وسياسة وفهم لطبيعة العلاقات التي تربطنا بدول الجوار، ولكن ماذا نقول، والجهود الامنية والاقتصادية في خطر لوجود مايهدد الديمقراطية في العراق ، ومع هذا فالتحذير واجب وفتح اعين الاخرين من صميم عمل الصحافة، مايدعونا الى ان نقول: (ان صخونة يوم تاخذ عافية سنه والعاقل يفتهم).
هواء فـي شبك :( صخونة يوم تاخذ عافية سنه)
نشر في: 3 مايو, 2010: 08:33 م