TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: هي حفلةُ علاقاتٍ عامّة إذن !

قناديل: هي حفلةُ علاقاتٍ عامّة إذن !

نشر في: 14 سبتمبر, 2019: 06:43 م

 لطفية الدليمي

" لازم تتعلمي ( شيء جديد ) يا سلوى، العلاقات العامة . الكاتب بلا علاقات عامة لا ينتشر ولا يصل . جربتُ أن يكون لي علاقات عامة،

وجدتها متعبة فيها الكثير من المجاملات والتنافس والخديعة وحتى الغدر . قررتُ أن لا أضيع وقتي فيما لا نفع فيه، وبقيت أكتب ..... "

هذا مقتطف من نصّ فيسبوكي صادم كتبته صديقتي التي أحب ( سلوى الجرّاح ) ، المثقفة والإعلامية والروائية والصوت العذب الذي لطالما أبهرنا وهو يطرق أسماعنا متناغماً رقراقاً على الموجات الأثيرية التي تنقل لنا إذاعة البي بي سي العالمية في سنواتٍ خلت . لاأرى أنّ مكمن الصدمة يتموضع في كمّ الحقائق التي تكشف عنها سلوى ؛ فتلك صارت أقرب إلى البديهيات المقطوع بسطوتها الحاكمة ؛ لكنما الصدمة الحقيقية تكمن في ذلك الجزع الذي يعتور النفس المبدعة إذ تكتشف أنّ الإبداع الذي يُحكى الكثير عنه ليس سوى حفلة علاقات عامة يجري فيها تذويب كينونة الفرد المبدع في إحتفائيات مبهرجة تأكل من جُرفه وتجعله أقرب إلى كرة تتقاذفها أرجل رجال التجارة والترويج السلعي، وفي مثل تلك الإحتفائيات لن يكون ثمة فرق كبير بين الترويج لكتاب يتناول تخوم المعرفة وبين سلعة أخرى مثل الهامبورغر أو مشروبات الطاقة أو مستحضرات العناية بالبشرة . 

الكتاب سلعة، نعم، ولستُ موهومة تعيش في عالمٍ يوتوبي صنعه الخيال المحض لكي أقول بغير هذا . إنّ إضفاء الصفة السلعية على الكتاب ( سواءٌ أكان رواية أو فيزياء كمومية أو فلسفة إغريقية أو أي مبحث معرفي أو إبداعي آخر ) لهو حق للناشر لكي يكسّب ممّا ينشر ؛ لكن ماالفرق بين الهامبورغر والكتاب؟ الفرق أن الهامبوغر يبقى سلعة من البداية وحتى النهاية؛ أما الكتاب فهو سلعة مضافاً لها ميّزات إعتبارية أخرى، وعلى هذا الأساس لاينبغي أن يكون الترويج للكتاب بمثل مايحصل الترويج للهامبورغر أو غسولات الشعر : هل نتوقّع - مثلاً - أن يظهر إعلان لفتاة مغرية تمسك بكتاب منشور حديثاً للكاتبة ( مارغريت آتوود ) وتحضّ المشاهدين على قراءته ؟ لابأس من قراءات وندوات يُستضاف فيها الكاتب أو الكاتبة للمناقشة الحرّة ؛ لكن هل ينبغي بالضرورة أن تكون تلك القراءات أقرب إلى حفلات الشواء وتبادل الأنخاب مدفوعة الثمن ؟ 

ثمة مسألة أخرى : الكتاب عند كاتبه ليس سلعة، هو أكبر من أن يكون سلعة؛ لكنّه يستحيل سلعة بعد أن يخرج من مملكة الكتاب ليصير منتجاً جمعياً عاماً ؛ غير أنني لاأحسب أنّ الكاتب يرى نتاجه سلعة حتى بعد أن يخرج من حدود مملكته. تلك واحدة من خصائص المبدعين التي تتعالى على القوانين الحاكمة للأسواق الحرة

أعرف كاتبات عراقيات لم يكتبن سوى رواية أو إثنتين، ثم لم تلبث أسماؤهنّ أن صارت مُقيمة أبدية في الأنثولوجيات والكتب الخاصة بالسرد العربي ومنها كتب رصينة نشرتها جامعة كامبردج، ولستُ هنا معنية بإيراد التفاصيل بقدر ماأتساءل : أهذه هي المروءة ؟ أهكذا تكون الأمانة الأكاديمية المحكومة بأخلاقيات الضمائر النزيهة؟ والأمر سيان مع مطبوع عراقي نُشِر في بداية ثمانينيات القرن الماضي وتناول فيه كاتباه ( الجهبذان ) القصة العراقية القصيرة ولم يأتيا فيه على ذكر إسم قاصة عراقية واحدة. ذكورية مستهجنة بلاشكّ! 

سلوى : صديقتي الطيبة، إطرحي عن كاهلك أمر الاهتمام الشعبي والأكاديمي بما تكتبين، وتوحّدي روحياً مع شغفك الكتابي الذي يمنحك طاقة الحياة المتوهجة، وكلّ ماعدا ذلك دعيه يذهب إلى جُبّ النسيان !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram