إياد الصالحي
تساؤل مُريب أفقد صواب متابعي الكرة العراقية ليس محلياً فحسب، بل عربياً، لما للقضية التي نادى بها نجم الكرة السابق عدنان درجال
من أهمية منذ أن وطأت قدماه أرض الوطن الثلاثاء الثالث عشر من شباط 2018 وسبقته مشاورات هاتفية طويلة تجاوزت العام ونصف مع إداري مسؤول في اتحاد أسبق وصحفي وضع كل ثقته فيهما لحسم قرار عودته بهدف إصلاح اللعبة، واعداً بأمانته على انتشالها من فوضاها العارمة لتستردّ كرامتها المذبوحة في أراضٍ عربية!
سنة وسبعة اشهر ويومان، هي المدة التي قضاها درجال حتى الآن، مُتاخِماً أسرة الكرة في مستقرّه الفندقي وسط العاصمة بغداد، كمقيمٍ لفترة طويلة، وزائرٍ لمدة قصيرة تارة، ومتجوّلٍ في مُدن بعيدة تارة أخرى، باحثاً عن مدى تأثير وجوده بين الناس التي فارقها منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، دون أن يُقدّم نفسه قائداً مُصلِحاً، بل كانت أفكاره وحلوله تمارس تسكين آلامهم وتعيد نبض الأمل لقلوبهم المفجوعة بمصائب حياتهم اليومية تحت سطوة بضعة حرافيش على زمن الإنفلات بضمائر فاسدة وعقول متخلّفة وإرادات أسيرة الاطماع، مستفيدة من مساحة الديمقراطية الكبيرة لتلعب وتكسب بلا رقيب ولا حسيب.
كبرتْ الأحلام في قلب درجال مع تحذيرات مخلصة ألا يعبثَ بعقارب الزمن ليعيش بيئة الكرة المرهونة بقبضة السلطة وسَوْط النظام الصارم بتقويم الأخطاء، أخذ يثقّف ما يؤمِن به، مُسمِّعاً صوته للجميع، وناشراً معارضته لكل مخرجات إدارة اللعبة للسنين السابقة من تزوير بأعمار الاجيال، وحرمان نجوم المنتخبات من المشاركة في صنع القرارات، وتلاعب في اللوائح والنُظم، والإساءة الى سمعة البلد أمام اتحادات خليجية، وتبديد أموال طائلة في صفقات عقود مدربين أجانب للمنتخب الوطني مقابل تقتير الدعم لأقرانهم الوطنيين، وغياب مشروع الاستثمار في تأمين الأموال لاتحاد الكرة بعيداً عن معونات الحكومة، كل تلك العناوين كانت مقدّمات صريحة سبقتْ إعلانه الترشّح لرئاسة الاتحاد ولم يدر بخلده أنها حزّمتْ قوى المعارضة لمنع دخوله الانتخابات بأية طريقة.
كانت الدلائل تشير الى تبنّي رئيس الاتحاد مخطّط الإبعاد سواء بالتوجيه أم الرسائل وبالتنسيق مع المشاور القانوني الذي وجّه اتهامات خطيرة لدرجال مسّتْ إحداها شرف وطنيته بوصفه "خائن العراق وعميل لدولة أجنبية" فضلاً عن الطعن بأوراقه الواردة من نادي الوكرة القطري، ما حتم نقل ملفه الانتخابي الى محكمة كاس الدولية بفريق معارض، وواجه المزيد من نيران الحرب والأذى حين تم إصدار قرار معاقبته بخمس سنوات ثم خفضّتْ ثلاث من لجنة الانضباط وحصل تلاعب بقرار العقوبة نفسه بجعلها (3 و5) سنوات وسط نفي لجنتي الاستئناف والانضباط الاجتماع والمصادقة على إقرارها، لتتفجّر فضيحة تزوير العقوبة، ما أضطرّ درجال الشكوى في محكمة الرصافة لردّ اعتباره، وسيكون القول الفصل فيها غداً الاثنين.
الخطأ الستراتيجي بأزمة الاتحاد ودرجال هو لجوء عبد الخالق مسعود إلى الدوحة طلباً لوساطة حمد بن خليفة رئيس الاتحاد القطري للضغط على درجال لعّله يتنازل عن الشكوى مع تأمين كل المتطلّبات المقابلة لذلك وما يتيسّر من حلول ممكنة، وهنا لم يخطئ الرئيس مسعود وحده، بل درجال أيضاً لموافقته على الوساطة بالرغم من حرصه طوال الأزمة على عدم استغلال إقامته في الدوحة بإسناد موقفه، ومع إيماننا بالدور المؤثر لأبن خليفة لمساندة الكرة العراقية في أشدّ أزمات حاجتها للدعم القطري والخليجي، لكن الخلاف كان عراقياً صِرفاً وليس لقطر يد فيه لتُقحَمْ في مقترحات وتوافقات والتزامات يمكن التعهّد بها وطنياً برعاية مستشار رئيس الحكومة إياد بنيان أو وزير الرياضة د.أحمد رياض أو حتى د.عبد القادر زينل "مختار الكرة" الكبير برمزيته وحكمته وحياديته المطلقة رهاناً على مبدأيته وغيرته على مصلحة وطنه.
ومع تقديرنا لحراجة الموقف القطري في الخلاف العراقي - العراقي من هذا النوع، فإن مقترح استقالة أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد وإقامة انتخابات مبكّرة بحسب ما تم تداوله نقلاً عن مصادر داخل الاجتماع يعد مقترحاً غير واقعي ولا يمت بصلة لجوهر الخلاف (القضائي) الذي يدين الاتحاد بجريمة تزوير في محرر رسمي حتى لو تنازل درجال عن شكواه، فالحق العام يُنزل القصاص بالمتورّطين ولا يعني أن موظفي الاتحاد المتهمين وليد طبرة ود.صباح رضا وستار زوير مُدانين سلفاً، فالمفاجآت واردة بكشف الحقيقة الصاعقة في جلسة النطق بالحكم، وكانت هناك اشارات واضحة في حديث طبرة للمدى يوم 9 أيلول الحالي عن دوره في القضية.
إن اجتماع اتحاد الكرة اليوم مع الكابتن عدنان درجال لبحث مقترح الاستقالة الجماعية أمر ليس سهلاً طالما أن الاعضاء تسنّموا مواقعهم باصوات الهيئة العامة، وهناك تجارب ماضية أثبتت عدم التزام الاعضاء المتنفّذين بمن فيهم الرئيس بوعودهم لزملائهم (كاتمي اسرارهم) الذين فشلوا في نيل الثقة بانتخابات 2018، فالهيئة حصن التنفيذي، وبالتالي لن يتكهّن الجميع بموقفها، ونحذر درجال من خسارته كل جهوده الخاصة بالإصلاح إذا ما اصطدم برفض الهيئة إجراء الانتخابات!
درجال مطالب بحفظ الأمانة وهو بقدر المسؤولية لحماية مصلحة اللعبة عبر مواجهة القضاء بملفي التلاعب بالنظام الاساس عام2017 وموضوعة التثنيات التي شابها الخِداع قبيل إجراء الانتخابات، اضافة الى بيان المزوّر بقرار معاقبته، فمقعد الرئيس زائل ونثق أنه لن يضعف أمام مغريات المنصب، كما أنه يعلم جيداً بأن اصلاح المنظومة يتوجّب تضحيات كبيرة لاستعادة المكانة والسمعة على الصعيد الدولي، وهذه فرصة ليتمسّك درجال بمطرقة القضاء لتضرب بقوة وتنتصر بالحق بعيداً عن تحالف الطاولات وتقديم التنازلات التي تحمي منهج التخريب والفساد تحت يافطة " تنفيذ اتفاق الدوحة"!