د. فالح الحمـراني
على الرغم من الهدنة الرسمية، في إدلب لا يوجد أحد في عجلة من أمره لإلقاء أسلحته. وتتقاطع في منطقة تخفيف التصعيد التي تشمل محافظ إدلب،
مصالح العديد من اللاعبين المهمين في وقت واحد. علاوة على ذلك، فإن "مرجل إدلب" ليس الصداع الوحيد لدمشق وحلفائها، بما في ذلك روسيا.
وتقع روسيا في المثلث السوري التركي، لأن لدى موسكو اتفاقاً مع طرفي النزاع. وفيما أعلن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الجمعة الماضية "إن الحرب في سوريا انتهت فعلياً" قال مراقبون روس إن الهدف الرئيس للكرملين هو تحقيق الاستقرار في الوضع في المنطقة، والحفاظ على السلامة الإقليمية والدولة في سوريا. بدروره يرى المراقب العسكري لجريدة "الصحيفة الجديدة" بافل فلجينجاور: " إن الهدف الرئيس من العملية السورية المكلفة للغاية، والمتواصلة على مدى أربع سنوات تقريباً، هو نشر واستبقاء القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، والقاعدة الجوية في حميميم". وبناءً على هذه القواعد، كما يرى فيلجينجاور " من الممكن نشر تجمع بحري وجوي قادر، في شرق البحر الأبيض المتوسط ومواجهة الناتو في الطرق البعيدة لمضيق البحر الأسود". وبرأيه " إن موسكو من حيث المبدأ، تقبل بأي حكومة صديقة في سوريا، وفي المنطقة الساحلية حيث توجد القواعد الروسية، مما يضمن عملها الآمن. وإذا أثبتت المعارضة "المعتدلة" فائدتها، إذن حسناً، فليكن". في نفس الوقت نفسه أوضح بوريس دولجوف، وهو باحث أول في مركز الدراسات العربية والإسلامية بمعهد الاستشراق لوكالة "ريا نوفوستي" : "إن مساعدة الأسد على البقاء في السلطة ليست في أولويات روسيا الرئيسية". وعلى حد تقيمه "لا يهم موسكو، في الواقع، من هو في السلطة في البلاد، الشيء الرئيس هو أن دمشق تواصل اتباع سياسة علمانية، وتعترف بالمساواة بين جميع الأديان وتمنع أسلمة البلاد". وأوضح متحدث "ريا نوفوستي" أن "وصول الإسلاميين الافتراضي للسلطة يمثل تهديداً للأمن القومي لروسيا. منوهاً بأن كافة الجماعات الإسلامية تحدثت عن نواياها في إنشاء "دولة إسلامية" وممارسة الجهاد، بما في ذلك في آسيا الوسطى والمناطق الإسلامية في روسيا".
وأعاد الأذهان الى أن الدول الضامنة لاتفاقيات "أستانا" تضم روسيا وتركيا وإيران. وإن موسكو تتعاون مع جميع البلدان، ولكن في حالة أنقرة، يتعين عليها تقدم تنازلات، و"غض الطرف عن بعض تحركاتها". مشيرا إلى ما وصفه "الوجود غير القانوني للقوات التركية في سوريا"، لأن دمشق أو الأمم المتحدة لم تمنح الإذن للقيام بذلك. وقال بوريس دولجوف "ما نلاحظه الآن في إدلب هو بالتحديد رغبة روسيا في حل القضايا بالوسائل السياسية." والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كان هدف السلطات السورية هو استعادة السيطرة الكاملة على البلاد، التي تدعمها روسيا والولايات المتحدة وتركيا، وهدف أنقرة في نفس الوقت هو الحفاظ على النفوذ بين الجماعات الإسلامية المسلحة في المنطقة، فماذا سيحدث عندما يتم تحرير إدلب ويصل الجيش السوري الى الحدود الشمالية للبلاد؟
إن موسكو تعمل مع دمشق لاستعادة السيادة، ويعمل المستشارون العسكريون الروس في سوريا. ولكن إذا تحدثنا عن الخطة الستراتيجية، فهذه مشكلة صعبة بالنسبة لموسكو، وكما يلاحظ دولجوف. ويلفت: لا يمكن لروسيا أن تضع شروطًا صارمة لتركيا أو لواشنطن. وإن مصالح القوى الخارجية تؤثر على موقف موسكو. لذلك، لا يزال من الصعب القول إن لدى روسيا خطة واضحة للمستقبل".
ويطلق على المنطقة اسم " مرجل إدلب"، لأن عدة مجموعات مسلحة هناك تعمل في وقت واحد. وتجدر الإشارة الى أن الاتفاق على إنشاء مناطق لإزالة التصعيد في سوريا في أيلول 2017 في عاصمة كازاخستان، أستانا (الآن نور سلطان). وتقع ثلاث مناطق تخفيف التصعيد على التوالي في الجزء الجنوبي من محافظة درعا وعلى الحدود مع الأردن، وفي ضواحي دمشق - في منطقة جوتا الشرقية وشمال محافظة حمص. وكان من المقرر أن تقوم الشرطة العسكرية الروسية بمراقبة الوضع. وكانت من المقرر أن تراقب إيران وروسيا وتركيا بشكل مشترك في منطقة التصعيد الرابعة - إدلب .
ووافق الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب أردوغان في أيلول 2018، على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين قوات المعارضة المسلحة، وقوات الحكومة السورية بعمق يصل إلى 25 كم. تعهد الجيش السوري بعدم مهاجمة إدلب، وكان من المفترض أن تغادر الجماعات المسلحة، ولا سيما جماعة هيئة تحرير الشام، المنطقة المنزوعة السلاح. ويمكن أن تبقى في منطقة التصعيد، جماعات المعارضة المعتدلة التي تدعمها أنقرة، بما في ذلك الجيش السوري الحر، ولكن عليها سحب جميع الأسلحة الثقيلة من هناك. ويقوم الجيش الروسي والتركي بصورة مشتركة بالرقابة على تنفيذ الالتزامات.
لكن الهدنة لم تُحترم. ففي نهاية شهر أيلول من ذلك العام، هاجم الجيش السوري مواقع هيئة تحرير الشام على حدود إدلب وحماة، وتصاعد الموقف مرة أخرى في صيف عام 2019. في أوائل آب. وفي 27 آب الماضي، وصل أردوغان على وجه السرعة إلى روسيا لمناقشة الوضع في إدلب مع فلاديمير بوتين. وحسب بعض التقارير فإن بوتين اعترف في الواقع بشمالي سوريا كمنطقة نفوذ تركية، رغم أنه لم يُعلن علناً عن مدى امتداد هذه المنطقة. وتم توقف الهجوم السوري/ الروسي، وضمان أمن مواقع (قواعد) المراقبة العسكرية التركية في إدلب. وبرأيهم إن كل شيء يتم فقط لإبعاد أردوغان عن الولايات المتحدة وحلف الناتو. وابتداء من 31 آب، تم تطبيق نظام جديد لوقف إطلاق النار في المنطقة. وفي اليوم نفسه، أفيد أن الجيش السوري سيوقف القتال من جانب واحد. وسيسمح وقف إطلاق النار للمدنيين بمغادرة المناطق الخطرة، وفي 22 آب . وجرى في شمال محافظة حماة فتح ممر إنساني بالفعل. وبالنسبة لتركيا، فإن تصعيد الوضع في إدلب محفوف أيضًا بتدفق هائل للاجئين عبر حدودها.
و يستنتج من الخارطة السياسية والعسكرية في الوقت الراهن إن الجيش السوري يسيطر على جزء كبير من الأراضي السورية، ولكن ليس كلها. فيما يسيطر مقاتلو هيئة تحرير الشام على إدلب بالكامل تقريباً، في حين تحتل تشكيلات الجيش السوريا الحر، التي تدعمها تركيا، الأراضي الواقعة في الشمال والشمال الشرقي وجزء كبير من جنوب إدلب. وتحتل "القوى الديمقراطية السورية" شمال شرقي سوريا (من منبج إلى الحدود مع العراق) - فضلاً عن "وحدات الدفاع عن النفس" الكردية. وتتحكم القوات التركية التي تقاتل التشكيلات الكردية –في شمال محافظة حلب الحدودية.. ويرى مراقبون روس: "إن الهدف من أعمال أنقرة هو الحفاظ على الجماعات الإسلامية المسلحة التي تعتبرها تركيا معتدلة والتي تعتمد على دعمها". وتتبنى الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة- المملكة العربية السعودية وإسرائيل وتركيا – موقفاً يدعو إلى تغيير النظام في سوريا. والهدف الرئيس لإيران هو دعم السلطات السورية في مكافحة الإسلام السني.
وبعد أقل من يوم واحد من إعلان وقف إطلاق النار في منطقة التصعيد في إدلب في 31 آب الماضي، قصفت القوات الأميركية مبنى بالقرب من المدينة. ووفقًا للقيادة الأميركية، كان هناك قادة للجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة.. وذكر المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة، أن الهجوم أدى إلى العديد من الخسائر والدمار. بالإضافة إلى ذلك، لم يتم إخطار موسكو ولا أنقرة بالعملية المقبلة. ووفقًاً لمركز مراقبة حقوق الإنسان السوري، فقد أسفر القصف عن مقتل 40 شخصاً.