TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: أهلاً بكم في بلاد طرطوف

العمود الثامن: أهلاً بكم في بلاد طرطوف

نشر في: 16 سبتمبر, 2019: 09:32 م

 علي حسين

تتكرر في مؤسساتنا الحكومية عبارة "معاملتك يم الحجي"، ما أن يقودك حظك العاثر لمراجعة دائرة حكومية حتى تجد أن جميع المدراء حجاج،

حتى يخيل إليك أننا نعيش في الدولة الأكثر تدينا، وعلامات التديّن عندنا معروفة وواضحة، وهي باقة جميلة من مواسم خروج السرّاق من قماقمهم، مواسم التزوير، ومواسم حصولنا على الأرقام القياسية في عدد عصابات الفرهود، ومواسم تهجير المسيحيين وسرقة ممتلكاتهم، ومواسم انتعاش الرشوة، ونهب ثروات البلد.

أتخيل العراقيين وهم يعربون عن الامتنان الشديد لدوائر الدولة التي تضم كل هذا العدد الكبير من الحجاج ، ليس فقط على اعتبارهم أكثر الشعوب تدينا، بل على تذكيرهم بهذا الأمر، فقد كادوا ينسون وسط الانتصارات الكبرى التي تحققت في مجال الخدمات والإعمار والتنمية والعدالة الاجتماعية، ، مسؤلينا بفضل وورعهم استطاعوا أن ينقلوا هذه الدولة التي كانت تعيش على هامش التاريخ ، لتصبح اليوم البلاد الأفضل في العالم.

"حجّاج" لم يناقشوا ما فعلوه منذ ستة عشر عاما، لم يفكروا إلا بغريزة البقاء التي تعني بالنسبة لهم البحث عن عدو، والعدو من يقف ضد شهوتهم للسلطة واتهامه بالتهمة الجاهزة: إنهم كفار لا يريدون دولة تحكم بشرع الله، ولهذا نجدهم لا يقولون شيئا عن الفساد وعصابات النهب المنظم سوى كلمة واحدة، إن كل ما يحدث من خراب في العراق سببه ابتعاد العراقيين عن الدين.

للكاتب الفرنسي الشهير موليير مسرحية اسمها "طرطوف"، رسم فيها شخصية رجل فاسد، يتخذ من الدين وسيلة لإشباع شهواته وهو يتظاهر بالتقوى.. وقد تحولت "هذه المسرحية" إلى واحدة من كلاسيكيات الأدب العالمي، حتى صارت كلمة "طرطوف"، تستعمل للإشارة إلى رجل الدين المنافق. والسؤال هنا: كم "طرطوف" يعيش في مؤسسات الدولة وفي أروقة الحكومة، وكم "طرطوف" يصلي ويصوم، لكنه يغش ويسرق ؟.

الناس تجد نفسها اليوم تعيش في ظل "طراطيف" متشددين يغضبون لأن نادياً اجتماعياً فتح أبوابه، أو أن امرأة غير محجبة تسير في الشارع، لكنهم لا يجدون غضاضة في استغلال فقر النساء ، وشراء إرادة الناس في الانتخابات بـ "البطانيات" ليحولوا مجلس النواب إلى منصات للخطابة والشعوذة السياسية!

لقد رأينا نواباً يطالبون بسن قوانين تقيد حريات الناس وتحارب البهجة والسعادة والفرح، في الوقت الذي نجد فيها عوائلهم تستمتع بكل ملذات الحياة في دول أوروبا " الكافرة".

هكذا أصبحت الخرافة جزءاً من مشروع الاستحواذ على السلطة، بتحريم كل ما يتعلق بالحياة المدنية، ونشر ثقافة ترى أن المجتمع يعيش فى "الجاهلية" وأن "سياسيي الصدفة" هم "مبعوثو العناية الإلهية الذين سينقذوننا من الضياع ، وبدلا من دولة يديرها الاكفاء، يريدون منا أن نعيش في ظل دولة "طرطوف " .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram