طالب عبد العزيز
نعم، انا بصري أصيل، ولا يضيرني قول ذلك، فحقيقة انتسابي وبالوثائق تشير وتؤكد. لذا من حقي على المدينة التمتع بخيراتها،
أنا أولا وقبل غيري، هي بيتي ودار سكني وسكن أجدادي منذ قرون، أطالب أبي بما عنده ويطالبني ابني بما عندي، لأننا معاً الاحق بما نملك فيها، ولو ولدت في مدينة الناصرية او العمارة أو أي مدينة أخرى لقلت مثل هذا، مفتخراً بانتسابي لها ومطالبا الجهات الحاكمة فيها بحقوقي كاملة غير منقوصة، دونما منة او فضل من أحد.
في قوانين معظم الدول الكبرى هناك امتيازات تمنحها بلديات المدن الى مواطنيها، واقتبس من صديقي د.علي المدن شيئاً: "في ولاية تكساس بامريكا يدخل الطالب من سكانها الجامعة دون أن يدفع دولاراً واحداً، أو يدفع مبالغ رمزية جداً، لأنه ابن تكساس، لكن الطالب القادم لها من فلوريدا مثلاً يدفع ما لا يقل عن 50 الف دولار ليكمل دراسته فيها، ويدفع المهندس من سكان فلوريدا، العامل في شركات تكساس النفطية ثلث راتبه الى خزينة تكساس وليس الى خزينة فلوريدا. لأبن الارض الاولوية بأرضه وبنفطه، ثم يأتي الآخرون، وهذه سنة الحياة".
في جردة بسيطة لنسب السكان في بلدة مثل الزبير تبيّن بان نسبة 20% من مجموع السكان فيها هم من نازحي مدينتي الفاو وأبي الخصيب، من الذين اتخذوها سكناً بعد الحرب مع إيران عام 1980 ونسبة الـ 80% الباقية فهم من الذين وفدوا اليها من مدينتي الناصرية والعمارة، ولا يشكل الزبيريون الاصليون فيها اليوم حتى 1% فقد غادروها خلال السنوات المتعاقبة، بسبب تقلبات الوضع السياسي في العراق، أو بسبب المضايقات السكانية التي تعرضوا لها. ولو قامت جهة قانونية محايدة بالكشف عن الزبيريين الذين اضطروا لمغادرتها قسراً وعدد البيوت التي تم الاستيلاء عليها من قبل المتجاوزين النافذين في الدولة والاحزاب منذ العام 2003 الى اليوم لكانت الارقام صادمة.
يمتدح احد الاصدقاء محافظ البصرة الاسبق محمد الحياني الذي بنى (الحيانية) واسكن فيها الاسر النازحة من الريف والتي كانت تسكن العشوائيات، وسط العشار وأطراف المدينة، لكننا لو احصينا عدد النازحين آنذاك (نهاية ستينيات القرن الماضي) لكان الرقم صغيراً جداً أزاء عدد الوافدين للبصرة اليوم، فقد بلغ عدد سكان البصرة الثلاثة مليون ونصف انسان، لا يشكل البصريون سوى الـ 60% بمعنى نحن ازاء مليون ونصف انسان دخلها باحثا عن العيش فيها، مزاحماً أهلها الذين يعانون ايضاً من مشاكل في العيش والسكن وسوء الادارة. ولمن لا يعلم بعمق مسألة التجاوزات التي تعاني منها البصرة وتعرقل اعمال الاستثمار والتطوير نقول بأن القضية ابعد من اشخاص واسر تجاوزت على الاراضي الحكومية، وشيدت عليها البيوت والمحال والشركات، هناك شخصيات واحزاب نافذة تقف وراء ذلك، وهناك من يستنجد بشخصيات دينية مثل السيد مقتدى الصدر في محاولة لاسترداد ما فقده من مشيدات ومتاجر ومحطات غسل السيارات وغيرها.
البصري الاصيل هو الذي يحب ان تظهر مدينته بالصورة التي كانت عليها ذات يوم في الجمال والاناقة والتحضر والمدنية، وهو الذي يصرح ويجاهر بأخلاقه وتسامحه وصفحه وطيبة قلبه، أما الذي يصرح بسوء خلقه ويجاهر ببندقيته ويفاخر بعشيرته القاتلة فما هو من البصرة بشيء وإن ولد فيها.