كاظم الجماسي باتت عواصم العالم المتحضر ومدنه بغض النظر عن حجمها واهميتها تسابق الزمن في صناعة مرأى جمالي ذي مشاهد متعددة تتوزع انحائها كافة، فمن تشكيلات متنوعة للمساحات الخضر وتكوينات متعددة لتوفير الماء
وهيئات مختلفة لاعمدة الانارة الى نشر النصب والتماثيل التي تخلد الاعلام والوقائع المهمة في تاريخ تلك الدول، والامر الاخير يكتسب اهمية خاصة كونه اولا معلم جمالي وثانيا عصارة جهد ابداعي لمبدعه وثالثا له فضيلة توثيق اللحظات المشرقة في تراث تلك الشعوب فضلا عن اضافته الاساسية في تأثيث جماليات المكان.وعودة بسيطة لمرأى بغداد الجمالي في خمسينيات وستينيات بل حتى سبعينيات القرن المنصرم، كان التواؤم والانسجام يسودانه الى حد كبير، على الرغم من بساطته ومحدوديته، ولم يزل عالقا في ذاكرتنا مشهد نصب الجندي المجهولشامخا في الساحة التي كانت تسمى آنذاك ساحة (14 رمضان) وتحول اسمها الى ساحة الفردوس بعد تغيير2003،وهو نموذجا واحدا من أمثلة عدة لمظاهر حملة تخريب متعددة الأوجه جرت آنذاك بفعل عسكرة المجتمع والحياة المدنية التي لم تألو جهدا في إزاحة كل ماهو جميل وبهي من جماليات بغداد وحواضر العراق الاخرى، ولم تكتف بذلك بل راحت تقيم نصبا وتماثيل تمجد العنف والعدوان وتحزب الامكنة خدمة لاهداف حزبها القائد، الامر الذي دفع اكثر فأكثر الى شيوع مظاهر القبح وخراب الذوق والذائقة.وبعد تغيير 2003 التاريخي وحتى اليوم لم يجر الاهتمام بإقامة النصب والتماثيل في شوارع وساحات بغداد والمحافظات لأسباب شتى، وبقيت تلك الشوارع والساحات مكتملة القبح بل ازدادت قبحا بفضل تجاهل الجهات المعنية للأمر، ومؤخرا بتنا نرى بعض التماثيل القديمة في مواضع مختلفة من العاصمة وقد جرى طلائها بنحو يثير الشفقة والبؤس، فتمثال السعدون في الشارع الذي يحمل ذات الاسم جرى طلائه بلون ذهبي فاقع، يتناقض ولون المعدن النبيل معدن البرونز بنحو صارخ، ومثله تمثال كابتن الكرة العراقية الشهير جمولي المقام امام باب ملعب الكشافة، وما تبقى من تماثيل رياضية مقامة امام ملعب الشعب الدولي، وكان الاجدى استشارة الفنانين ذوى الدراية والاختصاص، فمثلا صاحب تمثال السعدون الفنان النحات طه وهيب لم يكن يعلم ابدا بطلاء تمثاله كما اخبرنا، وابدى استغرابه واحتجاجه على الطريقة واللون المستخدمان لصيانته، ويلقي باللائمة على امانة بغداد ووزارة الثقافة.وهنالك أيضاً تشوه كبير لحق بدعائم واعمدة البنايات والدور التراثية، ففضلا عن التصدعات والثلمات التي اكلت من هيكليتها الكثير، هناك بقايا الملصقات العشوائية ولطخات الأصباغ والدهون، الامر الذي يستدعي حقا القيام بجهد وطني شامل تشترك فيه جهات عدة كوزارة الثقافة عبر دوائرها المعنية ووزارة السياحة والآثار وامانة بغداد بالتعاون الأكيد مع جمعية التشكيليين العراقيين ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة، وينبغي ان يصار الى تعيين لجنة عليا مشرفة تضم في عضويتها ممثلين من ذوي الكفاءة من تلك الجهات، كما ينبغي اقامة مسابقات لاقامة نصب وتماثيل جديدة تزدهي بها ساحات وشوارع بغداد والمحافظات، من اجل عكس صورة مشرقة حقا لبلاد الحضارات الكبرى بلاد وادي الرافدين.
مكاشفة :جماليات بغداد
نشر في: 4 مايو, 2010: 05:11 م