علي حسين
قال بائع الكتب وهو يبتسم: هل تصدق، أنا الرجل الذي قضى عمره يتنقل من شوبنهور إلى طه حسين، لا أفهم بماذا "يرطن" ساستنا..
ضحك وهو يكمل حديثه: معظم المسؤولين ومعهم الحكومة لا يرون البسطاء من أمثالنا، إلا في الانتخابات.. ولهذا قررت أن لا أشارك في أي انتخابات قادمة، ما الفائدة؟ فمنذ عقود والناس تبحث عن مسؤول مختلف يمنحونه أصواتهم، لكنهم يكتشفون ان اصواتهم استثمرت في الخراب .. قال إن أن معظم المرشحين يتعاملون مع الانتخابات على أنها عدّاد سيارة أجرة لا يعمل إلا لصالحهم ، في الانتخابات الاخيرة توهمت أن العداد سيكون نزيها.. وأن الناس ستحظى للمرة الأولى في حياتها بمسؤول من لحم ودم.. تستطيع أن تراه متى شئت.. فقد مللنا من المسؤول الذي يخرج بين الحين والآخر من على شاشات الفضائيات ليذكرنا بأنه "المنقذ".. انظر إلى هذا الكتاب وأشار بيده إلى كتاب "خطابات السلطة".. إقرأ ماذا يقول فيلسوف بحجم جان لوك من أن "الحاكم هو الذي يحقق نفعاً مستقبلياً للناس" لا نريد مسؤولاً يتفقد الناس في منتصف الليالي ويترك لهم على عتبة الباب حفنة من الدنانير، وعشاء من "صاج الريف".. نريد مسؤولا يدرك جيدا أن الانتخابات القادمة ربما لن تأتي به.. هل تعرف حكاية عامل المصنع الذي أصبح رئيسا للبرازيل.. هذا الرجل ظل في الحكم حتى عام 2010، عندها شعر أهالي البرازيل بنوع من الخيبة لأن الدستور لا يسمح لـ"رئيسهم المحبوب" بالبقاء في المنصب، فقد مشى حتى اليوم الأخير من حكمه مؤمناً بالدستور رافضاً أن يغيره لصالحه فيبقى رئيسا مثلما يتمنى معظم الشعب.. أليست هذه معجزة حقيقية؟.. فيما نحن نعيش في ظل ساسة يعتاشون على ترويض الناس وقهرهم، نعيش في ظل قبائل وطوائف.. ثم راح الرجل وبحماسة يضيف:
من سيفهم أن الخطب والشعارات لا تبني بلداناً.. وأن كل مشاكل العراق لن تحل بمجرد الإيمان بأن مسؤولينا "حجاج" وضربوا أرقاماً قياسية في عدد "العمرات".
الناس تريد أن تعيش في دولة قائمة على سيادة العدالة والرفاهية الاجتماعية والقانون ، وليس على فتاوى وأمزجة البعض ممن لا يفرقون بين حقوق الناس وواجباتها. الدولة التي نتمناها تأخذ بمبدأ المواطنة بين الأفراد وتضع الدين في مكانه الصحيح ، دون الهبوط به إلى صراعات سياسية.
صمت قليلاً ليكمل : لا نريد أن نظل على الهامش دائما.. وننتظر الفتات أو نتسوّل المنح.. نريد سياسيين ينقلوننا إلى مناطق الأمان.. فالمعجزة الحقيقية عندما يجد هذا الشعب ، مكاناً له داخل دائرة عقل السلطة وقلبها..وقبل ان اودعه قال ساخراً : هل تعلم ان هناك من يقول ان مشاكل العراق ستحل لو اعدنا نواب رئيس الجمهورية لمناصبهم .