اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: حين أكشف عن جرحي

قناطر: حين أكشف عن جرحي

نشر في: 24 سبتمبر, 2019: 07:00 م

طالب عبد العزيز

"إني ليحزُنني أنْ أدنوَ من فسيلٍ لا أشمُّ رائحتَك فيه" هذا ما كتبتُه عن ابي، ذات يوم، في قصيدة لي. ومثل هذه وتلك كنت كتبت قصائد عن التراب

والجذوع والأنهار والرياح والقوارب والأشرعة في البصرة وابي الخصيب على التحديد، هذا التأثيث الذي شكل نوع العلاقة بالأهل والأجداد والناس والمكان وما فيه، العلاقة التي تمتد طويلاً في التاريخ، وتشبثت به، وما زالت تتمرأى وردية في الاخيلة والأحلام، عبر جملة وشائج، يصعب التخلص منها في لحظة يأس عابرة، فهي نسيج روح ودم وعروق وأنفاس وحيوات سرت في الأمشاج وتأبدت في الأمكنة والأزمنة فأضحت في أخلاطها.

أعتقد أن الأمر بسيط الى حدٍّ ما مع سكنى المدينة، فاستبدال منزل بآخر في مكان، يتشابه فيه الحجر والإسمنت والشبابيك والزوايا العامة، قد لا يشكل تبايناً كبيراً، لكنَّ الأمر مع القرية مختلف جداً، حيث النخل ممدود في الافق، ولايُحد، والأنهار لا تني تتشابك، تمتلأ بالماء والأسماك والأوراق اليابسة، مرتين في اليوم والليلة، والطرقات ظليلة، باردة، محفوفة بالأقمار وبالعشب الأخضر وبالأزل، وبترابها وأطيانها مادتي الخلود. وهذه الأرض، كل الأرض، عشرات ومئات الدوانم بأناسها الوادعين والمتصالحين أبداً، هؤلاء الواقفين على القناطر بدشاديشهم البيض، ومناجلهم التي منها الأهلة والصباحات، صحبة الليل والنهار، مع الشموس وقبالة الرياح، وفي الوهاد، التي ظلت آمنة على غدها، بسلاحفها وأفاعيها وقنافذها وكلابها وحشراتها .. كل ذلك وأكثر هو ما أعنيه وأريد بقاءه وأحرص على تخليده.

جدير بمن لم يتخذ من نخلة متكأً له في ظهيرة قائظة ألا يخوض في فضل أهل المدر على أهل الوبر، ومن لم يتسمع وشوشة ماء الفجر في ساقية عطشى، لن تصله حكمة النائمين قرب الأنهار، ومن لم تكن له مقبرة في قريته، وأودعها جثامين أهله وأجداده، في متوالية الحياة والموت لن يبلغ معنى تحول المقبرة الى مخزن لبيع الإطارات المستعملة. فلا لائمة هنا، ولا تزييف. الهواء والشمس والمطر والقوارب المهجورة على الشطآن كلها تحيا وتنبضُ وتغيض في الجسد القروي البليل. هي مصاحف من لا مصاحف بأيديهم، وهي ثياب من تعرت أرواحهم، وأردية من لم يحسنوا لفَّ أرديتهم في الليل. عن أي طائفية وعنصرية تتحدثون؟ كيف أقنعُ جدّي بأن سائق الجرّافة التي أزاحت قبره كان لطيفاً معه؟

ما لي، كلما قلت: يا مدينتي، إتُهمتُ بما أجهله ويجهل معانيه أبي؟ ولماذا أُتهم بالتهم التي لم أحدّث نفسي به في خلوة، حين أكشفُ عن جرحي؟ بعبارة أدونيس. أهكذا يفعل الناس بالناس؟ من المعيب جداً التعجل في إطلاق الأحكام يا أدباء ويا شعراء ويا صحفيين، هناك قضية كبيرة، حقائق لا يمكن القفز عليها، ما يحدث في البصرة أكبر من تعصب لطائفة وتهم جاهزة، إقرأوا ما يكتبه العامة في صفحاتهم ، فهم أصحاب القضية، ودعوا النخب فهي تجامل وتتعجل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram