بغداد/ المدى الثقافيتوفي، صباح امس الاول، المفكر المغربي محمد عابد الجابري، وذلك عن سن ناهز الـ 75 عامًا.المفكر محمد الجابري حاصل على دكتواره الدولة في الفلسفة- جامعة محمد الخامس، وهو أستاذ الفلسفة والفكر العربي الإسلامي، العام 1936. وأغنى المفكر المغربي المكتبة العربية بتأليفه 30 كتابًا تدور حول قضايا الفكر المعاصر.
ويعد "توطين الفكر العربي" أهمها، كما أنه ترجم إلى عدة لغات. وحصل الجابري على جائزة بغداد للثقافة العربية من اليونسكو العام 1988، والجائزة المغربية للثقافة في تونس العام 1999.ويعتبر د. الجابري من أهم المفكرين المغربيين الذين تركوا بصمة واضحة في الأدب العربي المعاصر.استطاع الجابري عبر سلسلة نقد العقل العربي القيام بتحليل العقل العربي عبر دراسة المكونات والبنى الثقافية واللغوية التي بدأت من عصر التدوين ثم انتقل إلى دراسة العقل السياسي ثم الأخلاقي وهو مبتكر مصطلح "العقل المستقيل"، وهو ذلك العقل الذي يبتعد عن النقاش في القضايا الحضارية الكبرى. وفي نهاية تلك السلسلة يصل المعلم إلى نتيجة مفادها أن العقل العربي بحاجة اليوم إلى إعادة الإبتكار.rnالجابري يريد الكتابةبدأت حياة الجابري؛ بفكرة أنه يريد الكتابة. وفكرته ووعيه بالكتابة لم تكن لأجل الكتابة ذاتها، بقدر ما كانت متراصفة مع مهمته في عداوة الجهل.. فقد استقرت في ذهنه صغيراً، ومنذ كان طالباً في الابتدائية، فكرة وجوب (التحصيل والاجتهاد)، لأن الاستعمار إنما تغلب علينا بسبب الجهل المنتشر عندنا...أهم وأعظم ما قدمه انتشار مشروع الجابري يتمثل في كونه أفاد على مستوى آليات النظر والتفكير.. فهو محاولة ومشهد فكري لو تم امتصاصه والاستفادة منه لأستطاع أن يمثل منطلقات إلى عوالم أخرى، قد تتفق وقد تختلف.. لا يهم. قد يختلف أحدهم مع الجابري في وصفه للعقل بالعربي، أو في تقسيماته له:البرهاني. كل هذا شيء طبيعي، فالاختلاف في المعرفة تكامل لا تنافر. المهم هو أن تنتشر وعلى مستوى مرضٍ تلك الدراسات التي تغرس حِرفة الفكر، وتدعم القدرة على القراءة المعرفية الواعية. فليست القراءة أن يمسك أحدهم بكتاب..! ففرق كبير بين من يقرأ التاريخ قراءة سردية للأحداث كما كتبها ابن كثير أو الطبري، ومن يقرأه وهو يدرب نفسه على ملكة التحليل والربط والاستنتاج.. فيفهم حينها لماذا حدث ما حدث، وتكون ذاته المعرفية حاضرة بدورها. rnحفريات في التراثكتابات الجابري وحفرياته في التراث كانت تهدف إلى جعل هذا التراث مفهوماً، ومقروءاً، وحياً بيننا، حياة تعايش لا تسيد.. فليس للتراث أن يُلبس قداسة ليست له، وليس لنا أن نقوم بتهميشه والابتعاد عنه. ولذا قدّمت كتابات الجابري عبوراً، وتوافقاً فكرياً تعطش له كثيرون. كما أن المعول الفكري للدكتور قد طال مشكل الهوية مؤمنا بالحوار بين غرب العرب وشرقهم وبين جامعة الإسلام ودائرة العروبة ضمن تصور ديمقراطي علماني وفاقي ودون إهمال لمشكل الغيرية المنفتحة على العالمية والثقافات المغايرة.الإشكاليات التي تناولها الفقيد كثيرة ولعل أهمها الخطاب العربي والوحدة العربية والفلسفة العربية ونحن والغرب وقراءة القرآن ونقد دعاوي النهضة والإصلاح والتجديد والبحث عن بناء كتلة تاريخية تجمع كل الفاعلين السياسيين الذين يشكلون التيارات الكبرى للأمة ويكون مقصدها الاستئناف الحضاري. لقد عاش الأستاذ الجابري حياة صاخبة وكان غزير الإنتاج وموضع جدل وتعرض للنقد الشديد والتجاهل في بعض الجامعات العربية وشكك بعض الفقهاء في تدينه ولكن هذا العالم ظل مثابرا في بناء عمارته المنورة غير آبه بما يقوله خصومه إلى أن فرض نفسه على جميع كفيلسوف من طينة عقد حكماء الضاد الفريد ولفت له أنظار العلماء في الغرب في البلدان الإسلامية غير العربية.إن ما قام به الجابري هو انجاز مهم لا تقدر عليه أجيال بأسرها وكل ما كتب من مؤلفات ومقابلات ومقالات تمثل منارات ينبغي على كل عربي أن يفتخر بها وما يدهشني هو الصرامة المنهجية التي يكتب بها وخلو نصوصه من الغلو الإيديولوجي وربما ترجمة مشروعه إلى العديد من لغات العالم هو دليل على كونية أفكاره وما أتمناه هو أن يأخذ العرب بوصفاته التنويرية وألا يضيعوا جهوده الفلسفية مثلما ضيعوا من قبل جهود ابن رشد وابن خلدون.rnازمة ثقافة عربيةكان سبب كتابة الجابري لكتابه "المثقفون والحضارة العربية: محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد" هو أنه قد استشعر أزمة ثقافة عربية. فالمثقفون في الحضارة العربية - سابقاً وحديثاً - يظهرون وكأنهم لا يرتبطون بمرجعية، ولا يستندون الى أصل.. كأنهم معلقون في الهواء. يوجد غياب حاد للمرجعيات، وتهميش للوجود الثقافي. وما نستطيع نحن أن نفيد منه هو أن نعرف أن كثافة المحاولات والمشاريع الفكرية قادرة على خلق مرجعيات لعوالم فكرية أكثر خصوبة ورحابة. وما أنا متأكد منه هنا هو أنه بعد مرور الجابري على هذه الأرض، فإن هذه الأزمة للعالم الثقافي العربي قد صَغُر حجمها.. rnسيرةولد محمد عابد الجابري نهاية عام 1935 في مدينة فكيك شرقي المغرب، وارتقى في مسالك التعليم في بلده، حيث قضى فيه 45 سنة مدرسا ثم ناظر ثانوية ثم مراقبا وموجها تربويا لأساتذة الفلسفة في التعليم الثانوي، ثم أستاذا لما
رحيل الجابري.. صاحب نقد العقل العربي
نشر في: 4 مايو, 2010: 05:22 م