طالب عبد العزيز
ستبوء كل الجهود والإنجازات التي تحققت، وتتحقق جراء حملة إزالة التجاوزات في البصرة، إذا لم يتم متابعتها من قبل الأجهزة الأمنية والبلدية،
وهذا رهان صعب، واختبار لدرجة الأمانة التي يتوجب توافرها عند رئيس القسم البلدي، ومراقب البلدية والجهات ذات العلاقة، ولعل هذه واحدة من أعقد المشاكل التي لازمت العمل في المدن العراقية.
ظلّت الخدمات التي تقدمها البلدية تقليدية جداً، وهناك ترهل لم يلتفت اليه أحد، حيث يلاحظ زيادة في عدد المراقبين إزاء أقلية عاملة، وحتى اللحظة هذه، ما زال عامل التنظيف يستخدم المكناسة والمجرفة في رفع الأتربة عن الشارع، فيما ظلّت سيارات الحمل ترمي بالمتطاير من الرمل والتراب الذي يتجمع عند حافة الرصيف، ساداً فتحات مجاري الأمطار، وهذه ظاهرة لم نشهد لها تحولاً، منذ أن أنشئت الخدمة البلدية في العراق. وللمعالجة الحقيقية يفترض بأجهزة المرور منع ومحاسبة سائقي سيارات الحمل من دخول مركز المدينة أولاً وإلزامهم بتغطية ما يحملون وبما يمنع تساقطه في الشارع ومن ثم تحديث آليات البلدية بما يتناسب مع التخصيصات الكبيرة لها.
هناك فساد معلن في كل دوائر الدولة، وهو ظاهرة باتت ثقافة مجتمعية، وهناك تنصل من المسؤولية، بدأت من أعلى هرم في الحكومة، وانتهت بالمواطن البسيط، الذي إن امتشق سيف وطنيته ذبح فيه، فهو يخشى وييأس ويتبرأ في النهاية.
لا مقرنص في البصرة لم يُقتلع مرتين في السنة، في أقل تقدير، إذ أن الرصيف ملكٌ لصاحب المحل، الذي أمامه، فهو يفعل مايشاء به، وأن دائرة الكهرباء تحفر فتقتلعه، ومثل ذلك تفعل دائرة الماء والمجاري والبلدية، لذا، فهو عرضة للقلع لدى صاحب كل حاجة، بما في ذلك يافطة الحزب المسلح، التي ترفع، لتعلن عن صورة زعيم الحزب الكبيرة، إزاء صورة الشهيد الصغيرة. وبصورة أخرى فالمقرنص في أوضح أحواله وسيلة لثراء المقاولين وموظفي البلدية، التي لا تأبه لمنظره قدر انتباهتها لما يوفره للبعض من المال.
ولأنَّ جمهرةً من موظفي الخدمات، صغاراً أو كباراً، لم يعد يعنيهم من الوظيفة شيء، إلا بقدر ما ينتفعون منها، أو بما تدر عليهم من أموال خارج حدود الراتب، عبر المساومات والتخمينات ولجان المشتريات وعشرات السبل، فقد تحوّلت البلاد الى خِربة، فالحديقة العامة مهملة، والجزرة الوسطية مستباحة، والرصيف يؤجر، والشجرة تموت، ومن يتجول في أي مدينة عراقية ستقع عينه على الأمثلة الكثيرة.
ولمعالجة حالات كهذه، سنكون بحاجة الى ثقافة ولائية وطنية، لا ثقافة الولاء للحزب السياسي والعشيرة والمليشيا المسلحة والانتماء للخارج. لا بد من استنهاض الروح الوطنية العراقية الخالصة التي كانت عالية ذات يوم، لا يكفي قولنا بأننا نحب العراق، ينبغي علينا تعلم كيف نحبه أولاً. قال لي مواطن كردي حين سألته عن النظافة والنظام في مدن أربيل والسليمانية بأنَّ الكردي يحب مدينته، قد يسرق المقاول لكنه يحب مدينته، وكذلك الحال عند موظف الخدمة والمواطن البسيط.
ولا أختشي من قولتي بأن كل ذي (بسطية) غير معني بالنظافة في البصرة، وما أكثرهم، فهم منتشرون في شوارع وأرصفة المدينة، ولو أنهم حملوا نفاياتهم الى حاويات النفايات لبدت البصرة أجمل، لو أن كل صاحب دكان غرس شجرة واعتنى بها، لو أن كل مراقب في البلدية قام بواجبه كما يجب لمنحنا صورة أخرى للمدينة التي نحب.