د. فالح الحمـراني
مع مرور اكثر من عام على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي، فإن تقييم عمله في هذا المنصب يحظى بأهمية كبيرة.
علماً أن عدد التحديات الداخلية التي تواجه الحكومة العراقية الجديدة كبيرة. ولم يصبح الانتصار المعلن على "داعش" تذكرة دخول لبغداد إلى مرحلة التنمية المستدامة والاستقرار والازدهار الاقتصادي. وتحتاج للقيام بذلك إلى أن تقطع شوطاً طويلاً. وسيكون من السذاجة أن نتوقع من حكومة المهدي ستحل بسرعة المشاكل الهيكلية التي طال انتظارها. فبقاء التناقضات بين العشائر وفي داخل الائتلاف الحاكم حيث هناك اختلافات حتى الآن في الأولويات يعيق التطورات الإيجابية. ويجد عادل عبد المهدي نفسه مجبراً على التصرف مع قيادات الكتل الأكبر في المجلس الوطني . ومع ذلك، فإن نوايا رئيس الوزراء الجديد للمضي قدماً في الإصلاحات الاقتصادية الناضجة محددة بوضوح وتعمل بالفعل.
ونعيد الى الأذهان الى أنه في 15 أيلول 2018 - بعد نتائج انتخابات آيار السابقة - تم تشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عبد المهدي، وتمت في البداية الموافقة على 14 من أصل 22 وزيراً من قبل البرلمان. وحتى حزيران من هذا العام ، استمرت المفاوضات الداخلية بشأن الإتفاق على المرشحين للمناصب الوزارية الرئيسة - وزارات الداخلية والدفاع والعدالة. وبحلول نهاية السنة الأولى للحكومة العراقية الجديدة، تم تشكيل مجلس الوزراء. ومن الجدير بالذكر أنه لأول مرة في تاريخ العراق لما بعد عام 2003، جرت محاولة لتشكيل حكومة من المهنيين الأكفاء وليس المعينين السياسيين، على الأقل في معظم الحالات.
بدأت العملية الانتخابية نفسها في أيار 2018، على خلفية موجة من تفاقم التوتر الاجتماعي - بعد أن تمكنت من الانتصار على ما يسمى ب"الدولة الإسلامية"، وتطلع المجتمع العراقي الى أن تتخذ السلطات تدابير فعلية وحاسمة لمكافحة الفساد، وزيادة كفاءة الإدارة العامة، فضلاً عن اتخاذ قرارات لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية. وتنامت هذه التوقعات بشكل خاص على وقع أنباء ارتفاع أسعار النفط في عام 2018، مما جلب تدفقات مالية كبيرة إلى بنك الحكومة العراقية. وخلق هذا الوضع في مرحلة ما بعد الصراع، مستوى عالياً من التوقعات والطموحات من جانب المجتمع العراقي فيما يتعلق بالحكومة الجديدة وبرنامجها، مما رفع من مستوى المحاولات بشكل كبير.
وللإنصاف، تجدر الإشارة إلى أنه خلال هذه الفترة الأولية، تمكن مهدي وفريقه ككل، من تلبية التوقعات. وتمكن الفريق الجديد من البدء بنجاح في تنفيذ البرنامج الحكومي الطموح المقدم. وأعرب مختلف الخبراء، عن التفاؤل بشأن النتائج الأولية للحكومة. ويقوم الخبراء بشكل خاص بتقييم عمل الحكومة العراقية على مسار السياسة الخارجية. كما لوحظ أن هناك تقدماً في إصلاح صناعات النفط والبنية التحتية. وخلال العام الماضي، تمكنت حكومة عبد المهدي أيضاً من تعزيز سلطتها، ونيلها دعم العديد من القوى المعتدلة في المؤسسات العراقية.
ولكن، على الرغم من الموقف الإيجابي والتقييمات العالية لعمل حكومة المهدي من قبل دوائر بعض الخبراء، ما تزال المشاكل الهيكلية والاختلالات قائمة. والسبب الرئيس هو الافتقار إلى الاستقرار الداخلي في المجال الأمني، والتشرذم الداخلي لمكونات المجتمع العراقي، المتزايد. فالخلافات والتناقضات بين الجماعات المتنافسة داخل النخبة الحاكمة ما تزال قائمة. وتُمارس أجهزة الدولة الفساد على نطاق واسع في الحكومة. ومن المؤشرات في هذا الصدد، البيان الأخير (حزيران 2019) الذي أدلى به آية الله علي السيستاني الزعيم الروحي للشيعة العراقيين، وانتقد فيه الصراعات بين مختلف الكتل السياسية، التي تدعمها وتشجعها "القوى الخارجية" المهتمة بتقويض وحدة واستقرار العراق.
وعلى الرغم من الانتصار على "داعش" الذي أعلنه العراق رسمياً، فإن بقايا هذه الجماعة الإرهابية المنتشرة في المناطق النائية على الحدود مع سوريا، تواصل شن هجمات مفاجئة. وهذا الوضع يتطلب اهتماماً دائماً واستعداداً من القوات المسلحة العراقية والميليشيات. وهذا يؤثر سلباً على جاذبية البلاد الاقتصادية والاستثمارية للشركاء الأجانب والأعمال التجارية الدولية. ومن ناحية أخرى، انخفض عدد ضحايا النزاع المسلح، مقارنة بذروة النشاط الإرهابي، بعشرة أضعاف، حتى في المناطق التي ما تزال غير آمنة، مثل الموصل. وهناك تحسن كبير في الوضع الأمني في العاصمة العراقية، والمدن الكبيرة الأخرى، كما يتضح من حقيقة تفكيك الآلاف من نقاط التفتيش والأسوار الأمنية، منذ العام الماضي.
ويمثل الوضع الإنساني الصداع الآخر لحكومة المهدي، بسبب استمرار 1.7 مليون شخص من النازحين داخلياً في البلاد (حوالي 5٪ من السكان). بمعنى أوسع، يتم التعبير عن الإرث المعقد للحرب مع "داعش " في تدهور المناطق المتاخمة لسوريا ونقص الموارد المالية الكافية من الحكومة لاستعادتها وإعادة بنائها.
وكان السؤال الغامض الذي واجهته حكومة المهدي في العام الأول هو العلاقة مع الميليشيات المسلحة، التي تشكلت خلال الصراع في العراق، والتي لعبت في النهاية دوراً حاسماً في الانتصار على الإرهابيين، وتسعى الآن للحصول على بعض المكاسب. وفي حزيران من هذا العام، أصدر رئيس الوزراء مرسوماً جديداً وضع الميليشيا تحت سيطرة الحكومة الكاملة، وفرض حظراً على اتصالاتها المباشرة وعلاقاتها مع مختلف الأحزاب والقوى السياسية. والرسالة الرئيسة للحكومة الجديدة هي الحاجة إلى تبسيط وإضفاء الشرعية على ظاهرة جديدة في النظام الأمني العراقي ، وحرمان الميليشات من التحرك المستقل، ووضعها تحت سيطرة الدولة. إن تنفيذ هذه التدابير لا يسير بسلاسة في كل مكان - فقد أعلن عدد من الممثلين البارزين للميليشيا صراحة عدم موافقتهم على التبعية للجيش العراقي، ونقل نقاط التفتيش التابعة لهم. ويبدو أن مسألة الميليشيا - مع مراعاة حساسيتها السياسية - ستظل نوعاً من الحلقة الضعيفة في سياسات الحكومة الجديدة. والحقيقة هي أن المنظمة الشيعية بدر وحلفاءها يحتفظون (ولا يريدون أن يفقدوا) سيطرتهم على الميليشيات، والتي يمكن استخدامها من قبلهم كسلاح هائل في الصراع بين الفصائل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحفاظ على الميليشيا الشيعية المتمتعة بالحكم الذاتي هو عامل مهم في المواجهة بين الأديان وأداة فعالة لمحاربة القوى المتمردة. هذا ما يفهمه الزعماء الشيعة في العراق والقيادة الداعمة لإيران المجاورة.
في الوقت نفسه ، على عدد من المسارات الاقتصادية المهمة، تمكنت الحكومة الجديدة من تحقيق تقدم جيد في وقت قصير. على وجه الخصوص، على الرغم من تطبيق أوبك لنظام قيود على إمدادات النفط (مدد على الأقل حتى ربيع عام 2020) ، واصل العراق تطوير حقول جديدة بنجاح وتطوير طرق إضافية لإمداد النفط عبر الأردن وتركيا وربما حتى من خلال سوريا (مع استقرار الوضع هناك) . وحقق الإصلاح الجاري في قطاع الطاقة أيضاً أرباحاً مهمة للحكومة الجديدة. أبرم لؤي الخطيب ، الوزير المرشح للتكنوقراط، اتفاقات استراتيجية مهمة مع جنرال إلكتريك وسيمنز لتحقيق استقرار إمدادات الطاقة وتقليل مخاطر انقطاع التيار الكهربائي. وبدأت الإصلاحات أيضا لتعزيز قدرة نظام الطاقة الوطني.
كما بدأت القطاعات الأخرى في البنية التحتية للعراق تظهر بعض التطورات الإيجابية. على وجه الخصوص ، وافق مجلس الوزراء في نيسان على مشروع قانون جديد حول تطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والذي سيساعد على جذب الاستثمارات الخاصة ورأس المال لحل عدد من مشاكل البنية التحتية الحادة.
بإيجاز ، يجب اعتبار النتائج الأولية للسنة الأولى للحكومة العراقية الجديدة إيجابية. على الرغم من عدم وجود أي تحولات كبيرة على طول مسارات إشكالية واستمرار الضعف العام وعدم الاستقرار في النظام الاقتصادي، وكان هناك إجماع في موقف الحكومة الجديد والمجتمع حول البرنامج الحكومي الجديد الطموح.