عدوية الهلالي
يقول المثل اليوناني :" على باب رجل أصم ، يمكن أن تطرق الى الأبد" ، ويبدو أننا ابتلينا بحكومة صماء لا تسمع ،
وأيضاً عمياء لا ترى ، لذا فلن تجدي طرقاتناعلى أبوابها ولن تستمع الى صراخ الأطفال وعويل الأمهات وأنين المرضى وهتافات المتظاهرين مهما علت..ستنجح الحكومة دائماً بادعاء الصمم ثم تعمل على تحويل اتجاه الغضب الشعبي الذي ربما يرافق أزمة ما لوجهة أخرى وإلهائه بأزمة جديدة وهكذا ..وبالتدريج سيجد نفسه يدور في حلقة مفرغة من الأزمات ولن يجرؤ على الخروج منها لأن هنالك من يعيده إليها صاغراً بربطه بقيود تعليم سيئ يعمل على تسطيح أفكاره وانهيار في القطاع الصحي لايتناسب وحاجته الماسة الى الدواء وضعف في الاقتصاد الوطني يجعله أسيراً للاستيراد والغلاء وغياب للخدمات الاساسية يرهقه ويسلب منه راحته طوال أيامه ولياليه ..لن يكون الشعب قادراً بعد كل ذلك على الاستيقاظ من حالة التخدير التي تضعه السلطة تحت تأثيرها وسيضطر الى الاستسلام والخضوع لكل العمليات الجراحية التي تجريها له الحكومة وهدفها المعلن هو علاجه وشفائه من أسباب معاناته أما الهدف الخفي فهو الايغال في تخديره وإبقائه حياً ميتاً الى أطول وقت ممكن ..
منذ أن بدأت أزمة إزالة التجاوزات والكل يتبادل الاتهامات فهنالك من يتهم الحكومة بأنها تستهدف الفقراء ولاتحاسب الأحزاب والمسؤولين الكبار الذين يحتلون مناطق كبيرة تعود للدولة ، وهنالك من يتهم سكان التجاوزات ويقول بأن أغلبهم يملكون دوراً سكنية لكنهم عملوا على تأجيرها والسكن في مناطق التجاوز، كما اتهمت حكومة البصرة سكان التجاوزات بالعمل في تجارة المخدرات والسرقة وكل الممارسات المخالفة للقانون وألقت باللوم على الطارئين على مدينة البصرة داعية الى إخراجهم من المحافظة وإعادتهم الى مناطقهم ماحدا بفريق آخر الى اتهام محافظ البصرة بالتفكير ( المناطقي ) ..
في مايخص الفقير المعدم الذي وجد في العشوائيات حلاً لمشكلة السكن فلم يكن أمامه إلا الخروج في تظاهرات والصراخ مطالباً بحقه في الحصول على سقف يأويه في زمن فقدان الثقة بوعود الحكومة ومرشحي الانتخابات..لكن الزوبعة التي حدثت لم تتخطَ الفنجان الذي أعد لها فهي مجرد أزمة كسابقاتها وستتضاءل وتضمحل بالتدريج بانتظار ظهور أزمة أخرى ولن تستمع الحكومة لصراخ الفقير أو تحاسب الكبار الذين يستولون على أملاك الدولة ولن تجد حلولاً بديلة أو تتناول القضية بشكل جدي ..وبعد حرق عدة دور وهدم أخرى وتشريد عوائل عديدة ستتريث الحكومات المحلية في إزالة التجاوزات لأنها لن تجد لها حلولاً ولن تجعل منها شرارة يمكن أن تتسع وتصبح حريقاً ، وهكذا ، سيكتشف المواطن أنه يدور في حلقة الأزمات ولن يخرج منها أبداً ، وخلال ذلك ، سيكتشف أيضاً أنه سيظل مضطجعاً الى الأبد على طاولة السلطة وهو في حالة تخدير أو موت سريري !