اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: في ما يشبه الأمل

قناطر: في ما يشبه الأمل

نشر في: 12 أكتوبر, 2019: 06:52 م

 طالب عبد العزيز

الريحُ شرقيةٌ في تشرين الأول، والبحر حلم هائج في الروح. يأتي بالسمك النيئ الى العتبة، ثم يعود بالسمك المالح الى الماء ثانيةً. منذ أمس، يأتي ويعود.. ياه،

ما بالُ شعرك تجعّد هكذا؟ ما بال يدك تنزلق في كفي فلا تمسك بي ؟ ما بال القواقع تنسرحُ على كتفيك وتمضي؟ أحدهم ترك قميصه يافطةً على السفينة ومضى الى ليله حالماً، هذا الخشب بزيت كبد الحوت، وبزفرة الروبيان والهوامير العظيمة، والبحارة بصريون صخّابون .

جُماع خطوي كانت معه، وجُماع موجه كان معي، منذ نصف قرن ويزيد، ونحن نسير جنباً الى جنب، نتبادل الرضا والغضب، الشجر والبلل والتراب والمقاعد الرخيصة. هو يبتدأ من صدور نهر الخورة ولا ينتهي عند تمثال السياب الشاعر، لكنني لا اشعر بوجوده، شط العرب صديقي، منذ سنة لم تحملني قدماي إليه، لكنني، أتيته البارحة، كان الليل في أوله، وكانت السفن الراسية على شاطئيه أكثر من المبحرة فيه. لا، لم تكن الريحُ باردةً كما يظن البعض، هي بزفرة أقل، وباعة المرطبات يتخذون الرصيف بما يشبه الاكشاك ، البلدية تغض طرفها، ولا يعيرُ أحدٌ ذراعه لمهزوم هنا، لكن رائحةً ماء غادر تشي بغير ذلك. ما أنا بالحزين، لكنْ، تسوؤني رسمة الشرطي يرفع يده محيياً، ولا أجد معنى في العبارة القاتلة على جدار المؤسسة الدينية، لذا، لست أحمق لسؤال أحدهم .

زورق اكاديمية البحار في مكانه، والحبل ذاته، ما زال في عروة المرسى، ثلاثة قوارب صغيرة الجأها الموج الى بدنه، فهي هامدة اليه، نائمة فيه، ولا أحد من بحارته يُرى في القريب، الماء مخطوط ضوء، وعامل المطعم يسوي دكانته، يعيد ترتيب اسياخ اللحم على الموقد، وهذا بائع كتب النسيان يدعوني لقراءة السطر الاخير. وفي جوف المصطبة هناك من راح يحدثني عن ساحة عبد الكريم قاسم، وعن رسوم شبان خرجوا من أحياء فقيرة، أنبتها أقرانٌ لهم، هتفوا طويلاً ضد الحياة، التي باتت بلا معنى، قبل أن يطيش حولهم الرصاص.

لم تنتشل إدارة الميناء السفن الغريقة منذ أربعين سنة، وهكذا ، ظلت الحرب عالقة باذهان المارة، الذين تناوبوا الذهاب والاياب من الضفة هذه الى تلك. ومع ان البلدية انشأت ومن الحديد جسراً جديداً إلا أن العابرين ما زالوا يفضلون الجسر الخشب، شيء من رطوبة وزنخ في مماشيه تحرضهم على الثورة. ولهذا، لا يتقي صيادو السمك الشمس أول الفجر، لكنهم يقيمون مظلاتهم على البدن الندي، ومن ما لا تدخره المسافات يتخذون الطريق اليه. سمك وصنارات وافواه قطط الى جوارهم، وعلى كل قصبة عصفور آمن. لكن العلب الطافية تفسد المشهد في اعينهم. لم انتقِ من حبل المرسى مشنقةً للبقاء، ولم تمنحني لحظةُ كمالها أغنيةً عن المنفى.هذا الساحل القصير سيقودني الى البيت، أنا لا احلم بسلة الورد على الطاولة، ولا افتش في يدي عن قصبة تدلني الى السرير، كانت زوجتي جالسة على العتبة، هي بانتظاري دائماً، كانت أمي من قبل قد انتظرتني طويلاً. على العتبة ذاتها، زوجتي وأبنائي ينتظرونني، كل مساء، أنا خارج وعائد منذ نصق قرن ويزيد. 

يقول صاحب لي: أنتَ أدنى الى الحائط الآن، وشرقُك أدنى اليك من الماء والشمس، فما لك ، كلما جئتك حالماً أنبتَ راية مدماة ؟ فأقول: كل شرق قريب من نهرك قاتل. وحجراً حجراً، شجرةً شجرةً يقضم الموتُ الطريقَ التي يسلكها الموجُ إلينا. لقد أرخى المؤازرون حبال القارب الذي سيأخذنا الى الجزيرة اليابسة. وحدها السماءُ ستتقلبُ في الحجارةَ التي تركنا أمالنا تحتها، أيها النهر، يا أخي: ستصطفي الريحُ القصبةَ التي ترافقك الى هناك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram