د. فالح الحمـراني
أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصريحاته بعد اتصالاته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإيحاء بان الكرملين تعهد لتل ابيب احتواء مصادر الخطر على أمن إسرائيل بما في ذلك من العراق.
بعض المراقبين يربطون تلك التصريحات بالصراع السياسي الدائر في تل أبيب، أو لأغراض انتخابية، فروسيا تعارض وقاحة إسرائيل بانتهاك القانون الدولي وحرمة أجواء دول ذات سيادة، وتحذر من تداعياتها الوخيمة. وتحرص موسكو على تعميق العلاقات مع العراق. فنتنياهو ذهب، ربما للاستهلاك الدعائي، الى أن المحادثة الهاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 7 تشرين الأول كانت "مهمة للأمن الإسرائيلي.: ونقل مكتبه عنه " لقد أجريت محادثة مهمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين". وأضاف "التقيت به قبل بضعة أسابيع ببوتين وناقشت معه قضايا مهمة لأمن دولة إسرائيل، وهذه المحادثة مهمة أيضًا لأمن دولة إسرائيل". وأضاف رئيس الحكومة الإسرائيلية: "نحن [إسرائيل] محاطون بتحديات خطيرة، ونتعاون بنجاح مع روسيا، وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا، وسنواصل القيام بذلك".
فما هي القضايا المحددة المتعلقة بالأمن الإسرائيلي التي ناقشها نتنياهو مع الرئيس الروسي، فعلا؟ ويوضح مراقبون استنادا لعدد من التسريبات، بأن إسرائيل تتذرع ب "القلق الشديد" ( رغم صواريخها المتطورة، وترسانتها النووية، المسكوت عنها دوليا) من احتمال بيع أنظمة الدفاع الجوي الروسية الحديثة ( الدفاعية وحسب) الى بعض الدول العربية بما في ذلك إلى العراق. وترددت أنباء عن أن موسكو تجري مفاوضات (غير مؤكدة رسميا) بهذا الشأن مع بغداد، ولأول مرة منذ الإطاحة بنظام صدام حسين. وفي هذا الصدد، يشير الخبراء إلى أن عدم قدرة العراق على حماية مجاله الجوي من الضربات الجوية الإسرائيلية سيدفعه إلى الحصول على أنظمة دفاع جوي أكثر تطوراً، وخاصة من روسيا لتكون رادعاً من الهجمات الإسرائيلية، لكنها لن توفر حلاً أمنياً موثوقاً به. وإذا حصل العراق على مزيد من السيطرة على مجاله الجوي، فإن قدرته على إسقاط الطائرات الإسرائيلية قد تثير نزاعاً جديداً!.
وتشير الدلائل إلى أن موسكو غير مستعدة لمواصلة تحمل الهجمات الإسرائيلية على أهداف في سوريا والعراق، إذ إن القصف الجوي للأراضي السورية والعراقية من قبل الجيش الإسرائيلي يمكن أن يزعزع استقرار الوضع في المنطقة. وقد صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مقابلة مع وسائل الإعلام باللغة العربية عشية زيارة الرئيس بوتين للسعودية وقال: "فيما يتعلق بالغارات الجوية الإسرائيلية التعسفية على الأراضي السورية، فإننا لم نخفِ أبداً موقفاً سلبياً تجاه مثل هذه الأعمال، مما يزيد من زعزعة استقرار الوضع، ويمكن أن يؤدي إلى التصعيد بل وحتى الخروج عن نطاق السيطرة". وكما لاحظ لافروف، لا ينبغي أن تصبح سوريا هدفًا لخطط طرف ما ومنصة لتصفية الحسابات (تلميح شفاف للغاية لطموحات رئيس الوزراء الإسرائيلي ). "يجب أن تكون المهمة الرئيسة لجميع القوات المسؤولة هي المساعدة في إعادة السلام إلى الأراضي السورية" كما أكد الوزير. ومن هنا الاتصالات الهاتفية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بموسكو. ومن هنا جاءت محاولات تكوين صداقات بطريقة أو بأخرى في المرحلة الأولى مع الملوك العرب.
ويواجه العراق مثله مثل سوريا ولبنان مشكلة تتمثل بالحملة الجوية الإسرائيلية المستمرة التي تستهدف كما يقول نتنياهو المواقع الإيرانية في هذه البلدان. وبسبب محدودية قدرات الدفاع الجوي لها، كان لدى إسرائيل حرية كاملة تقريباً في القيام بحملتها. ولكن قد تحاول بغداد تصحيح هذا الخلل، وسط تقارير حديثة تفيد بأن روسيا تدرس بيع أنظمة رادار عالية الجودة لدول "معينة" في الشرق الأوسط.
ويعتقد الخبراء أنه إذا نفذت بغداد مثل هذه الخطط ، فقد يتسبب ذلك في مشاكل غير متوقعة: إذ إن نشر هذه الأنظمة لن يكون كافياً لإيقاف الحملة الإسرائيلية بالكامل، لكنها ستشكل مشكلة خطيرة بما يكفي للطائرات الإسرائيلية، والتي يمكن أن تسبب بحد ذاتها إثارة جولة جديدة من المواجهات في المنطقة.
ولدى العراق خطط أكثر طموحاً، بما في ذلك كجزء من الاقتراح الأمريكي لإنشاء نظام دفاع جوي متكامل. ومع ذلك، تم تعليق إمدادات مثل هذه الأنظمة إلى أجل غير مسمى، في ضوء حرب بغداد ضد "داعش". ولم يستلم العراق لحد اليوم سوى ثمانية أنظمة من طراز Avenger (نظام أميركي يعتمد على منصة Humvee ، التي تطلق صواريخ ستينغر والمدافع المضادة للطائرات للدفاع عن النفس)، لكنها لا تستطيع سوى حماية وحدات عسكرية منفردة، وليس حراسة أراضي أوسع. ولم يتم تلقِ عناصر أكثر أهمية من حزمة الصفقة المقترحة، مثل رادارات المراقبة وأنظمة التحكم. علاوة على ذلك، فحتى الطائرات F-16 التي يستلمها العراق يمكنها فقط إطلاق الصواريخ جواً بمدى قصير نسبياً، مما يحد من قدراتها في القتال الجوي أو اعتراض الصواريخ. نتيجة لذلك، استورد العراق من روسيا نظام دفاع جوي Shell-S1، لكن تغطيته، في أحسن الأحوال، محدودة للغاية. وأوضحت الضربات الأخيرة لترسانات الحشد الشعبي في العراق، أنه حتى العناصر الحديثة لهذه القدرات الدفاعية الجوية المحدودة لم تتمكن من ردع الحملة الجوية الإسرائيلية بشكل فعال. في هذا الصدد، تواصل كل من سوريا والعراق البحث عن فرص إضافية من روسيا كجزء من استعادة السيطرة الموثوقة على مجالهما الجوي. وهناك شائعات حول المفاوضات بشأن عمليات التسليم الإضافية لأنظمة S-300 وحتى أنظمة S-400، ولكن حتى الآن لا توجد بيانات محددة.
في الآونة الأخيرة، أعلنت موسكو أن العديد من دول الشرق الأوسط قد وقعت عقود لتوريد أنظمة من طرازرادارات Resonance-NE . سيكون العراق من المرشحين الرئيسيين لتلقي مثل هذه الأنظمة بسبب أوجه القصور في الدفاع الجوي والمشتريات السابقة لهذه المعدات من موسكو. Resonance-NE هو في الأساس رادار ثابت جديد كبير يوفر نطاقاً كبيراً (يصل إلى 1100 كيلومتر أو حوالي 688 ميلًا) وحتى القدرة على اكتشاف أهداف أكثر تعقيداً مثل طائرات التخفي أو صواريخ كروز. يمكن لمثل هذا الرادار أن يساعد العراق على التحكم بمجاله الجوي بشكل أكثر فاعلية - لكن هذا الجهاز لا يتيح بحد ذاته إسقاط الأهداف الجوية. ولكي يكون هذا الرادار أكثر فاعلية، سيظل العراق بحاجة إلى أنظمة دفاع جوي أكثر تكاملاً ، فضلاً عن أنظمة صواريخ أرض جو حديثة. بالطبع، سيكون اقتناء مثل هذه الأنظمة من روسيا محفوفاً ببعض التكاليف المادية، خاصة بالنسبة للعراق، الذي حافظ على علاقات أمنية وثيقة مع الولايات المتحدة منذ عام 2003. وحاولت الولايات المتحدة بنشاط إثناء دول الشرق الأوسط عن شراء معدات عسكرية روسية من خلال التهديد بفرض عقوبات (على سبيل المثال، "مواجهة المعارضين لأمريكا من خلال قانون العقوبات" – CAATSA))، وكذلك من خلال الآثار الثانوية الحالية للعقوبات المفروضة على شركة تصدير الأسلحة الروسية Rosoboronexport. وسبق أن استخدمت واشنطن هذه التهديدات ضد دول مثل تركيا والهند، لكنها فشلت، وهذا يشكل سابقة خطيرة بالنسبة لواشنطن.
لكن حتى لو تمكنت بغداد من الحصول على أنظمة دفاع جوي روسية من الدرجة الأولى، فستظل تواجه العديد من المشكلات في منع الغارات الجوية الإسرائيلية. أولاً: ما يزال العراق يواجه مشاكل في الكشف عن الطائرات الإسرائيلية والأمريكية وتحديدها، بالنظر إلى أنها صُنعت على عدد من المنصات المماثلة. وأي شك في تحديدها يمكن أن يؤدي إلى الكف عن العمل أو سوء تقدير خطير في الحساب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لإسرائيل تشويش أنظمة رادار الخصم وأنظمة الدفاع الجوي. ثانياً: لدى إسرائيل إمكانات كبيرة لصواريخ كروز جوية بعيدة المدى، مما يسمح لها بضرب أهداف خارج دائرة نصف قطر أنظمة الدفاع الجوي. على وجه الخصوص، كجزء من الهجمات على أهداف في سوريا، يستخدم سلاح الجو الإسرائيلي البحر الأبيض المتوسط غرب لبنان. بالإضافة إلى ذلك، تنشأ حالة متناقضة: إن التحسن كبير في القدرات ينطوي على مخاطر التصعيد الخطير. إذا تمكنت بغداد من إسقاط المقاتلات الإسرائيلية، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد سريع للأعمال العدائية كجزء من الرد الإسرائيلي مباشرة ضد العراق، وليس ضد الترسانات المرتبطة بإيران والتي يتم نشرها على أراضيها.
هذه الحجج التي يقدمها بعض الخبراء، ولكن هناك من يرى أنه في حالة العراق وسوريا، يجري الحديث عن تزويدهما بأنظمة S-400 ، التي ستجعل الضربات عن بعد غير ممكنة. بيد أن المشكلة الرئيسية ليست في القدرات التقنية لهذا النظام، ولكن في التدريب الكافي لمشغلي هذه الأنظمة من بين الجيش المحلي. هذه هي المشكلة الرئيسة، بالإضافة إلى انه عقد مكلف للغاية لشراء مثل هذه النظم من حيث التكاليف المادية. وبطبيعة الحال، إن موقف موسكو، الذي في هذه الحالة هو المفتاح من حيث الاستعداد لبيع مثل هذه الأنظمة وتدريب أطقمها.