علي رياح
احتفظ بسجل مفصل لتغييرات المدربين في الدوري العراقي ، وهو سجل يشهد ارتفاعاً مهولاً في أرقام التبديل والإبدال خلال المواسم الماضية ،
وإلى الحد الذي لا يمكن أن تجد له نظيراً في دوريات المنطقة أو حتى على صعيد دول العالم ، بعد أن ضربت الأرقام القياسية كل المعطيات وفاقت التصورات ، وما شهدناه بعد ثلاث جولات منقوصة أصلاً من دوري هذا الموسم لا يشكل سوى الافتتاح المتوقع لمهرجان كبير ومفتوح تتم فيه إطاحة المدربين ، لعذر مقبول مرة ، ولأعذار مبتكرة أو واهية مرّات أكثر!
اكتب مقالي هذا وقد غيّرت أربعة أندية مدربيها هذا الموسم ، آخرها أربيل الذي أعاد الوصل مع مدربه الأسبق رادان ، ونحن في مطلع المشوار ، بينما وصلت الظاهرة حدوداً واسعة في المواسم الماضية ، بلغت خمسة تغييرات لفريق واحد في موسم واحد ، ولا جديد في الأمر!
فمازال المدرب (الضحية) المفضلة في كل مكان ، ولا تهم أبداً أية أسباب للبطش بأي مدرب مهما كان شهيراً أو مغموراً ، ففي النهاية عليه أن يتجرّع المرّ وأن يعرف كل الوجوه السود لكرة القدم!
وفي الدول النامية أو (النايمة) كروياً ، تصبح حالات التغيير التدريبي أكبر من عدد المفاجآت في الدوري .. وتأتي النتائج غير المرضية إلى أرض الواقع ، لتأتي على البقية المتبقية من هيبة المدربين ، واعتزازهم بتاريخهم .. لكني لا أجد أية جدوى في شطب تواريخ المدربين على طولها وعرضها وغزارتها بمجرد أن يفقد الفريق قدرته على الفوز في مباراة أو مباراتين ، أو بمجرد ألا تروق للإداري أو المشجع أو اللاعب نتيجة يخرج بها مدرب مع فريقه ، أو حين يجري السجال عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث نرى أوضح صور التخندق القائم على التعصب المقيت أو المصلحة الضيقة!
اليوم .. يبدأ لدينا تجمع يكبر دوراً بعد آخر ، من الأسماء الذاهبة بخفي حنين وراء ستارة النسيان أو الاكتفاء من الهموم التي تلاحقهم .. هم الخسارة .. هم المفاجأة .. هم النجوم المدللين الذين لا يقوى المدربون على النظر إليهم عينا بعين .. هم المؤامرة التي تترصّدهم في كل زاوية!
سيتكون لدينا عند نهاية الموسم جمع كبير من الأسماء التدريبية التي تلتقي عند الإحساس بالمرارة ، لأنها غير قادرة على اجتراح المعجزات .. فهذا المدرب أصبح لقمة سائغة يلوكها لاعبوه في حلهم وترحالهم حتى جاءت اللحظة التي يقذفون فيها بقدراته واسمه إلى خارج النادي .. ومدرب آخر لا يتورع عن إظهار انهزاميته في لحظة حرجة يواجه فيها فريقه مد التلكؤ .. ومدرب من فئة ثالثة لا يدري ما يفعل .. فهو يتسلم المهمة ويباشر عمله وسط غيث منهمر من الوعود .. وبعد مباراة أو مباراتين يكتشف أن فريقه يخدعه ، وأن إدارة النادي تحاور في الخفاء مدربا آخر ، وربما تعد فريقها لتغيير ثان وثالث بشكل يدفع الأحداث إلى التأجيج المستمر بعيدا عن (روتين) المدرب الواحد!
وثمة مدرب ، ومدرب .. وحالات لا يتسع لها هذا المكان .. وقد لا يصح التطرق إليها حرصاً على مشاعر المدربين الذين لم يصابوا بجحود الآخرين بعد .. وفي العالم المتمدن كروياً يقولون إن كرسي التدريب قد يكون حصرياً لمدرب بعينه طوال عقود كما هو الحال بالنسبة للسير أليكس فيرغسون مع المان يونايتد .. وقد لا يعرف الكرسي جالساً واحداً يدوم بقاؤه سنوات .. وفي عالمنا تغيب الأسس والمقاييس ، وتختفي الرحمة فيصبح كرسي التدريب مثل كرسي الحلاق ، يمرّ عليه العشرات في الأسبوع الواحد!