طالب عبد العزيز
هل أخشى على حياتي، إذا كتبتُ عن مقتل الناشطين المدنييَّن البصرييَّن (حسين عادل وزوجته سارة عادل)؟ بكل تأكيد: نعم، فمن أنا كي أكون بمأمن عليها؟ والبنادق مطلقة في السيارات المظللة، وبأيدي ذوي الأقنعة، وفي أعلى المباني ..
لكن، هل كانت حياتي أثمن من حياتهما؟ بكل تأكيد: لا، فقد تقلبتُ في الايام والليالي حتى نيّفتُ على الستين، وهما ما زالا بريعان الشباب، ولم أكن لأقدّم للحياة والحرية شيئاً ازاء ما قدماه للحرية والمدنية ورفض الفساد والعمالة.
لم التقِ حسين عادل، لكنني وبعد أن انتشرتْ صورتُه في المواقع، تذكرته، فقد كان شاباً طويلاً، مفعماً بالحياة، رياضياً مفتول العضلات، وكل ما فيه يدعو للرفض والاستكانة، ما كان ليتنكب سلاحاً ما، أبداً، مثل حسين عادل لا حاجة له بالسلاح، فقد واثقاً من فتوته وشبابه ووسامته، وأنْ لا أحد يقهره، وكان فناناً تشكيلياً، يتحدث في الفن والجمال والحياة أكثر من حديثه في السياسة، تذكرته وهو يقف في ساحة عبد الكريم قاسم، وحين صافحته قرأت الأمل في عينيه وفي ابتسامته، وفي العلم العراقي الذي كان يطوّق عنقه.
هل تحدثتُ بما انتمي به إليه ؟ ربما، ونعم أيضاً. وأنّى لي أن لا أنتمي للروح التي وقفت حتى فاضت ضد الظلم، ورفضت العبودية حتى تحطمت أكفها، وتطلعت للسلام حتى أتاها الرعب والفزع من كل جانب، أنّى لي لا أتذكرهُ، وهو يزحف مضرجاً بموته الى حيث صوت البندقية وهي تلعلع عند رأس وجسد زوحته، التي لم تصله جسداً كاملاً، إنما وصلته روحاً مجزّأة، فقد فتت الرصاص الجسدين، وقد همدت روح الآمال والطموحات والمستقبل في عينيهما الى غير رجعة.
لا أذكر أنني سمعت باسم سارة طالب، زوجته، أو التقيتها، أبداً. لكنني، وجدتها قريبة منّي، هكذا، ربما لاسم والدها(طالب) لكنَّ أحدهم وفي مجلس المقهى بالبچاري قال بانه يعرفها، فهي في بعض من قرابته، ثم أنه قرب الصورة لي قائلاً: هي ابنة اخت غضبان عيسى، القاص والكاتب الشاب، الذي أعدمه نظام صدام حسين قبل الحرب مع إيران. لم أسأله إن كان شيوعياً، لكنَّ غضبانَ كان صديقي، وكنت آتية في محل الخياطة، الذي بسوق حنا الشيخ الجديد، وقد أقرأني الكثير من قصصه، وأسرّني بحديث البصرة والكتابة والوطن والحياة، التي كانت قبل الحرب، لكنه لم يخف صوت الرصاص الذي كان يلعلع في روحه حتى أدركه رجال أمن حزب البعث في بيته، أو في محل الخياطة، لا أذكر، هل جاءوا بجثته من هناك؟ لا أتذكر، لكنني، أتذكره (غضبان عيسى) كان بطلاً غاضباً في حياته.
وبعد، هل رأيتم لماذا أنتمي لحسين عادل وسارة طالب؟ يكفيني انتماءً لهما إنهما وقفا ضد نظام الانحطاط والعمالة والفساد اليوم، أنهما صرخاً بوجه القتلة، ويكفيني أنَّ سارة طالب ابنة أخت غضبان عيسى، صديقي، الذي مات غضباناً، غاضباً، شديد الغضب قبل أن يقتل المقنّعون حسين وسارة بأربعين سنة.