علي حسين
الشاعر الساخر والصحفي الملا عبود الكرخي، ظاهرة قلما تتكرر في عالم الشعر، ودنيا القلم والكتابة ، فقد عاش رحلة طويلة بمفارقاتها وصراعاتها،
فاستطاع من خلالها الغوص إلى قاع المجتمع حيث البسطاء من الناس وهموم الحياة واللهاث وراء أبسط متطلبات الحياة. كان يكتب وهو يعيش فلم يكن أدبه نابعاً من الحياة كما يقال، إنه الحياة نفسها، تلك الحياة التي عاشها واكتوى بنارها، لم يعرف الهدوء والعزلة أو الأبواب المغلقة والنوافذ المسدودة، فالحياة عنده لا فرق فيها بين البيت والشارع أو بين العمل والعلاقات الإنسانية المختلفة. كان محباً للحياة بلا حساب، ومحباً للشعر ومعه الصحافة .
بدأ حياته صبيا يرافق القوافل التجارية، لكنه قرر أن يصبح صحافياً، لم يتوقف رغم أن الحكومة أغلقت له خمس صحف، أنشأ صحيفة من غرفة صغيرة، وجعلها ساخرة بدل أن تكون صحيفة عادية، وكان يملؤها بنفسه، الأشعار، والافتتاحيات السياسية الجريئة، مخلصاً للعراق البلد، ومخاصما للعراق الحكومات طوال عمره، كانت أشعاره لوحات أدبية وسياسية متفردة، خليطا من الأدب والسياسة والنقد والسخرية، وقاسما مشتركا واحدا هو حب الوطن. كان شاهد عيان على أحداث وسنوات جسام، ظل فيها حاضراً بشكل يومي ليصبح وبجدارة ضمير شعب بكامله، من خلال قصائد ساخرة أصبحت ملاذ الناس ومضرب أمثالهم .في بدايات القرن الماضي عندما لم يجد الكرخي في مجلس النواب حينذاك، من يمثل الشعب بشكل صادق وحقيقي، كتب فيهم قصيدة أصبحت مثلاً حتى يومنا الحاضر عنوانها "قيّم الركَاع من ديرة عفج". يقول فيها:
برلمان أهل المحابس والمدس
عكب ما جانوا يدورون الفلس
هسة هم يرتشي وهم يختلس
ولو نقص من راتبه سنت انعقج
قيم الركاع من ديرة عفج
وهي قصيدة مؤثرة لأنها وإن عبرت عن مرحلتها، فإنما تعبر بصدق عما يسود الأجواء التي نعيشها الآن، ففي وسط الأزمة التي يمر بها العراق نقرأ في الأخبار أن برلمان "أهل المحابس" قرر تأجيل عقد جلسته لما بعد تظاهرات 25 تشرين الأول، برلمانيون يعيشون في حالى انفصام عن الشعب ، فيما الوطن في خطر، ومواجهة الخطر لا تكون بالهروب وخداع الناس والبعد عن الحقيقة مهما كانت مرارتها، وانما بالاطمئنان على العراق وعلى مستقبله وعلى مصيره، فهو أهم من الأحزاب والكتل السياسية، وهو باق وجميع الأحزاب زائلة .
في هذه الأيام العصيبة نتذكر كبير الساخرين وجليس الضعفاء ونتذكر معه سخريته من سياسيين لا يحبون أوطانهم، يذرفون الدمع على تظاهرات البحرين، في الوقت الذي يسخرون فيه من تظاهرات شباب العراق ويتلذذون بـ " قنصهم " .
رحمك الله يا عمّنا الكرخي فما زلنا نبحث عن ركاع لديرة عفج.