علي حسين
أراد المصري صنع الله إبراهيم أن يقدّم شهادته عن عالم لجان التحقيق العبثي، فاختار أن يكتب روايته المثيرة"اللجنة" يرسم لنا فيها صورة قاتمة لعالم تكون فيه اللجان المضحكة نموذجاً يحدد مصائر الشعوب، وحالة الانتهازية والكذب والخديعة التي يصرّ المسؤول الكبير على أن يفرضها على الناس.
بالأمس تذكرت المتاهة في رواية صنع الله إبراهيم، وأنا أقرأ التقرير الذي نشرته لجنة التحقيق في تظاهرات تشرين الأول والتي راح ضحيتها عشرات الشباب وجرح المئات، فاللجنة "الموقرة" أخبرتنا أن أوامر لم تصدر من الجهات العليا بإطلاق الرصاص على المتظاهرين ، وفاتها ان تقول ان المتظاهرين هم السبب في " قنص " حياتهم .
في رواية "اللجنة" يحاول بطل صنع الله إبراهيم أن يُعلّم أهل المدينة أن حقوق الإنسان مسألة تستحق أن يُقاتَل من أجلها، وأن القوانين ليست منزَّلة من السماء، يحاول أن يفتح أعينهم على أنّ "الشعوب من دون حريّة لا يعود لها وجود.. ولهذا تحاول الحكومات الفاشلة أن تنوع المحظورات وتتنافس في سنّ قوانين خاصة بها، وأن ترفع سيف الاستبداد والانتهازية في وجه من يعترض على الخراب، وان تعلن أنها في غزوة"إيمانية" لمواجهة الإلحاد!!
في كلّ يوم نسير عكس اتجاه العالم، لكننا في الصباح نشكو المؤامرة التي أخبرنا السيد فالح الفياض أنه كان على علم بها، وأنها تقف وراء تظاهرات الشباب، وأن الإمبريالية اللعينة لا تريد لنا ان نستفيد من خبرة البروفيسورة عديلة حمود في إنشاء أحدث المستشفيات وتقف بالضد من نظرية خضير الخزعلي في بناء مدارس متطورة، ولم تسمح لعبقري مثل محمد إقبال أن يطور مناهج التعليم، كل ما نحن فيه مؤامرة تحتاج إلى لجنة من الخبراء لايعرف المواطن المسكين لونهم وطعمهم ورائحتهم..
كان تشرشل قد حقّق النصر لبريطانيا وهزم هتلر في عقر داره، لكن الشعب رأى أن الرجل الذي قاد الحرب لا يمكنه أن يقودَ السلام، فقرر السياسي "البدين" أن يذهب بعيداً ليسطر مذكراته التي حصل بها جائزة نوبل للآداب من دون أن يصرخ "وا مؤامرتاه"، وفي بلدان آسيا خرج الرجل الأسطوري لي كوان من الحكم، بعد أن حوّل سنغافورة من مستنقع تزدهر فيه الأمراض والخوف إلى نموذج صعب التقليد في الرخاء والتنمية والازدهار.
عندما يقرر البعض أن يبيح لنفسه اللعب على الحبال، فأيّ لجان يحدثون الناس عنها؟ لذلك تتحوّل قرارات اللجان إلى نوع من أنواع السخرية من الناس.. وأتمنى ألّا يسخر مني البعض ويقول يا عزيزي صدّعت رؤوسنا بالحديث عن تشرشل ولي كوان، بينما المواطن محتار هل يصدق تقرير اللجنة الذي قال إن التظاهرات لا علاقة لها بالمؤامرات؟ أم يصدق فالح الفياض وحديث المؤامرة .