علي حسين
سواء قررت الحكومة أن تستعين بقوات مكافحة الإرهاب، أو بإطلالة عبد الكريم خلف الذي هدد الشباب بالاعتقال والمطاردة، فإن شباب العراق قدموا لوحة رائعة للمواطنة الحقيقية،
والتعبير برقي عن مطالب باتت محل اتفاق جميع شرائح الشعب وأظن أن لجوء الناس إلى التظاهر في الشارع أمر منطقي للغاية في بلد لديه برلمان نائم ، وساسة أداروا ظهورهم للناس، وبالتالي يصبح من حق الشعب أن يمثل نفسه بنفسه، طالما لم يتمكن من ممارسة حقه في الحصول على الخدمات والحرية والعدالة الاجتماعية ، وأزعم أنه لو كانت في العراق أحزاب معارضة حقيقية وفاعلة وموجودة فعلا، لما كان الناس في حاجة إلى نزول للشارع والتظاهر والهتاف ضد عديد من السياسات العمياء التي تقود البلد إلى مصير مظلم وبائس، وليس غريبا ولا مفاجئا على الإطلاق أن تخرج أصوات تتهم المتظاهرين بتنفيذ أجندات خاصة. في الوقت الذي كانت فيه بعض القوى السياسية تتعارك على المناصب، كانت أجيال جديدة تبحث عن بديل تستظل به للتخلص من ظلم الساسة، وسوء استخدام السلطة، بديل لديه حصانة ضد ثقافة التدجين واقتسام الغنائم التي أتقنها العديد من المسؤولين، ولا يحصر معارضته في خطابات أو مؤتمرات صحافية رنانة ليعود بعدها إلى الصمت ،في هذا المناخ انبثقت حركة احتجاجية يقودها شباب ظلمناهم وسخرنا منهم ووصفناهم بأوصاف مخجلة، فإذا بهم يفاجئوننا بوعيهم ، الذي لم يكن مطلقا في الحسبان، لم يصدق أحد أن حفنة من شباب " التك تك " والفيسبوك والتسريحات الشبابية ، سوف تقود يوما ما احتجاجات تطالب بالتغيير، وتقدم دماءها قربانا للوطن ، هاتفين ضد الطائفية السياسية التي تنتهجها الكتل السياسية، ومطالبين بإعادة ترتيب الوضع السياسي في العراق، تحت شعار واحد، عراق حر بلا فساد وطائفية ، أما مطالبهم فهي مطالب ملايين العراقيين، يسعون إلى أن تكون الحياة الجديدة في العراق نقيضاً لسنوات القهر والتضييق التي ولدوا ليجدوا أنفسهم غارقين في دوامتها . شبان وشابات ينبضون بالحياة ويرفضون سياسة الموت البطيء التي يفرضها الساسة على الشعب. لا يطمحون إلى مناصب يمكن أن يسعى الساسة إلى إغرائهم بها.عزيمة لا يمكن كسرها بحملات الإخفاء القسري والاعتقالات وإطلاق الرصاص الحي وخطابات التخوين ، والأهم استخدامهم أدوات جديدة في معركتهم لم يعتدها الساسة من قبل، وفي مقدمتها هذه العربة العجيبة "التك تك" ، شباب كانوا رائعين ومبهرين ومذهلين، هؤلاء الشباب الواعد، هم الضوء الذي اندلع من العتمة.
ايها الشباب .. يا من ظلمناكم واعتبرناكم يوما غائبين ومغيبين ومهاجرين بالروح عن الوطن.. نعتذر لكم جميعا ونحييكم ، ونقبل الأرض من تحت عجلات عرباتكم الصغيرة.