علي حسين
هذه المرة تخلت الحكومة عن شعاراتها في رفع الحواجز وفتح الطرق، وقررت أن تبيع لنا نصف كيلو منع تجوال، مع حديث عن مؤامرات تستهدف استقرار العراق،
وصراخ وعويل عن العملية السياسية التي يريد لها أعداء الديمقراطية أن تُذبح، ومن ثم لا بد من صدور قرار "ثوري" بإعلان حظر التجوال بحجة أن الإرهاب لا يزال يتجول في الشوارع.. بينما الحقيقة أن من يحتاج منع التجوال هم الساسة الذين أشاعوا الخراب والموت وأدخلوا البؤس في بيوت جميع العراقيين.
السيناريو هذه المرة كما يدور في مخيلة رئيس الوزراء ومجلس أمنه الموقر، هو منع حشود المتظاهرين من الوصول إلى الساحات، وتضييق الحصار على المعتصمين، مع إشارات إلى هجوم تعدّه الأجهزة الأمنية ضد شباب التظاهرات.. كنت أعتقد أن رئيس الوزراء سيخرج على العراقيين معتذرا بعد فيديو ضرب طالبات المدارس الثانوية بالعصي من قبل جنوده "البرره"، لكنه بدلا من ذلك قرر أن يحول مدن العراق إلى سجن كبير وأن تكون شوارع بلادنا أقرب إلى السراديب المقفرة، هكذا تفتقت عبقرية مستشاري رئيس الوزراء الذين يهمهم بالدرجة الأولى أن لا يرى الناس سوى المدرعات والدبابات وناقلات الجنود ونقاط التفتيش التي يحمل أصحابها العصي والهراوات.
الحكومة تريد تسويق بضاعة الطوارئ مع ضمان من رئيس الوزراء أن الحريات لن تنتهك، فيما شباب بعمر الزهور تم حرق أجسادهم بقنابل الغاز، كنا نتصور بعد سنوات من الفشل الأمني والسياسي، أن العراق مقبل على مرحلة جديدة ينفض فيها عن نفسه غبار قوانين الطوارئ ومكافحة الإرهاب التي بقيت جاثمة على صدورنا 13 عاما.
غير أن المحير أكثر هو هذا التناقض الواضح لدى الحكومة ومستشاريها الأشاوس بين الحديث عن حرية التظاهر التي كفلها الدستور وبين قتالهم العنيف من أجل التضييق على المواطنين بقوانين منتهية الصلاحية ، مع تصريحات مضحكة عن الاستقرار والأمن والأمان الذى يحسدنا عليه العالم أجمع، وبين عصبية رئيس الوزراء وتابعه فالح الفياض وهما يتحدثان عن العواصف والأخطار المحدقة بالعراق، على نحو يجعلك تتخيل أن جيوش هولاكو تقف على الحدود فى حالة تأهب لافتراسنا.
ولا أدرى إن كان العاملون في مكتب رئيس الوزراء يصدقون أنفسهم فعلا وهم يحاولون إيهامنا بأن العراق يمر بظروف استثنائية تتطلب الإبقاء على قانون منع التجوال أم لا، وأظن أنه قرار معيب ومخجل ومسيء للعراق، إلا إذا كان السادة فى مكتب رئيس الوزراء يعتبرون أنهم يحتلون بلدا اسمه العراق .
يخطئ الساسة حين يعتقدون أن الديمقراطية تعني " الدوس" على رقاب الناس، وأن الحرية درس في الطائفية والانتهازية، وأن صلاح الأمة في تحويل مدن العراق إلى مدن اشباح .