إياد الصالحي
لم تصل بطولة كأس الخليج العربي الى ألقها وشموخها في عامها التاسع والأربعين منذ دورة البحرين عام 1970 لولا ثلّة طيبة من الصَحَفيين الرياضيين الأخيار ممّن بذلوا جهوداً جبارة لحماية أرث البطولة
وحثّ الأجيال المتعاقبة للعمل على ديمومة التنافس فيها من خلال الكلمة والصورة الموحّدتين للعلاقات الإنسانية بين الرياضيين وشعوب الدول المشاركة فيها.
وشهدت بطولات الخليج الثلاث والعشرين السابقة عديد المواقف لزملاء المهنة، وثقوا كل صغيرة وكبيرة بين كواليسها وأمام مرأى الجماهير، وبذلوا جهوداً جبارة في أسوأ الحقب التي مرّت بها البطولة متأثرة بالأجواء السياسية المتوترة أحياناً وتقلّبات المشاركات المرتبطة بمزاج مسؤولي اتحادات الكرة، ولم يكن الصحفي إلا رمزاً للسلام والود والتقارب بين الرياضيين، معزّزاً قيم التسامح ونبذ الحقد، ومشيعاً رسائل الصفاء التي أسهمت في تغيير المواقف المتصلّبة لتنصهر بتفاعل إيجابي في كؤوس الخليج.
لا فرق بين صَحَفي عراقي وكويتي وقطري وسعودي وإماراتي وعُماني وبحريني ويمني حينما يُرفع الستار عن منافسات البطولة وتبدأ حملات الدفاع عن اللقب أو الاستئثار به ثانية ، نعم لا فرق ، فنكهة التغطية المهنية تزداد روعة، والإقلام تتبادل الأدوار بتسليط الضوء عن فوز للأسود برؤية صحفي سعودي أو مُنجز عُماني بتحليل قطري أو مفاجأة يمنية بمقال لصحيفة بحرينية ، الكل يدهش الكل بمفردات اللغة ونقاء الضمير والنيّة الحسنة للنقد، وهكذا يستمر دوران عجلات طبع الصحف طوال الحدث الخليجي الذي يشهد تنافساً آخر خارج المستطيل الأخضر بين رجالات الصحافة للفوز برضا الجماهير واكتساب قناعاتهم بقيمة التغطية ونزاهة الحرف وانصاف المنتخبات المتبارية وأجهزتها الفنية والإدارية والطبية.
ونظراً لاكتساب بطولة الخليج العربي الشهرة الواسعة بين الدول المشاركة من خلال تسليط الضوء على النجوم الهدافين والحراس المتميّزين واللاعبين الموهوبين وأفضل الحكام وغيرهم من المساهمين في انجاح البطولة ، فاللجنة الإعلامية للاتحاد الخليجي لكرة القدم مطالبة برفع توصية الى المكتب التنفيذي للاتحاد لاعتماد جائزة "صحفيو كؤوس الخليج" لتكريم الرواد باختيار صحفي واحد من كل دولة مشاركة على أن يكون هذا التقليد "دورياً" في كل بطولة ليقف الصحفي على منصّة الابداع أسوة بمن يتم اختيارهم في نهاية كل نسخة.
انطلاق هذه الفكرة إذا ما وجدت الاهتمام من قبل تنفيذي الاتحاد الخليجي اعتباراً من نسخة الدوحة 24 المقبلة ستثير أوجاع قلوب أهل المهنة بقدر سعادتهم وهم يستذكرون أسماء زملاء كبار رحلوا عن الدنيا وخلّدوا صفحات عظيمة توثق جهودهم ومآثرهم ، تحكي لأجيال الغد قصص المطاردة بين الحرف ودموع الفوز، تقف عند لحظات قاتلة بين هدف الأنفاس الأخيرة وعبقرية الصَحَفي في انتقاء صور المشهد الملحمي "هروب صاحب الهدف نحو المدرجات واحتضان الجمهور له وإخفاء الحارس المهزوم وجهه بين كفيه" هذه الصورة ليس من السهل نقلها بتكامل الحقيقة والإبداع في ظل ضيق الوقت بين إرسال التقرير من الملعب الى إدارة التحرير وبين توقيت المطبعة ليتصفّح القارىء المادة صباح اليوم التالي.
في مثل هكذا بطولة، تسقط عملية البروتوكول الاحتفالي المعتاد في نهاية كل مسابقة، البطولة الخليجية كما معروف تجمّع (بيتوتي) لرياضيي المنطقة، وينبغي من مبدأ العرفان بدور الصحفي في انجاح بطولات الخليج أن يعامل كفرد من أفراد أسرة تاريخية يواصل الأحياء استذكار مواقف الأموات أو ممّن أسرهُ المرض مُقاوِماً عجزه في فراش بيته ، باشعاره أنه لم يزل بيننا باسمه ورمزيته وأعماله، وهنيئاً لم أسعد إنساناً فات قطار عمره ويستعد لدخول نفق اللاعودة.
وطنياً، أرى أن هناك جيلاً صحفياً عراقياً واكب بطولات الخليج منذ نسخة الدوحة عام 1976 حتى يومنا هذا، وازدانت ملفّات التغطية الصحفية بأجمل أعمدة الرأي والمقابلات والتحليلات والأخبار برؤية نظيفة بعيدة عن الحساسية، وبرزَ من بينهم الزميل عدنان الجبوري أحد أهم العاملين في العقدين السبعيني والثمانيني قبل أن يشدّ الرحال الى أميركا عام 2001 تحت ضغط الظروف الخاصة، نسيه الجميع في الداخل والخارج برغم سيرته اللافتة ومآثره المهنية القديرة. هذه رسالة لمن يعنيه الأمر ليكون الجبوري أحد المدعوّين المُحتفى بهم في دوحة الخير تشرين الثاني المقبل بما يليق بقامته الصحفية الباسقة التي شرّفت العراق والخليج في أكثر من بطولة.