كاظم الجماسي ليس من شك في تقدير الأهمية القصوى التي تنهض بها الوظائف المتعددة للصحافة في العالم المعاصر، فهي فضلا عن كونها تعقد الاصرة المباشرة واليومية بين الحاكم والمحكوم، المسؤول والمواطن، عبر نقلها الحدث ذو التأثير العام، وأيضاً عرضها لوجهتي نظر الفريقين من اجل وضع مقاربات الالتقاء ان توفرت، وان لم تتوفر فهي تدعم وتروج لما يخدم الصالح العام،
بالطبع هذا الكلام يخص حصرا الصحافة الوطنية المجردة عن الجهويات الضيقة، فضلا عن ذلك وغيره تتأتى تلك الأهمية القصوى للصحافة من كونها تقيم خارطة للذاكرة الوطنية بنحو خاص والذاكرة الإنسانية بنحو عام، يمكن من خلال قراءتها استنباط عدد لا محصور من الدروس المفيدة في تكوين قاعدة معرفية للشروع في إقامة رؤى فكرية او مادية في شتى مناحي الحياة للفرد والمجتمع على حد سواء، ما تلبث ان تتحول الى مشاريع بناءة تخدم الأجيال الجديدة لأي مجتمع من مجتمعات العالم.ولعبت الصحافة العراقية منذ صدور أول صحيفة في البلاد (الزوراء) التي صدر عددها الأول في حزيران 1869وحتى اللحظة دورا حاسما في الحياة السياسية والعامة في البلاد، وأسست لتقاليد إعلامية وثقافية راسخة، حتى في الفترات التاريخية المظلمة زمن الاستبداد، كان للصحافة التماعاتها المقنعة خوف الوقوع ضحية لجبروت البوليس الثقافي والحزبي المسلط على رقاب المثقفين بنحو عام والصحافيين بنحو خاص، وطوال تاريخ الصحافة العراقية بذلت المؤسسة الصحافية في العراق الكثير من القرابين على دكة مذبح الحرية والدفاع عن حقوق المواطنين.وليس بعيدا عن الذاكرة العراقية المعاصرة ما صنعته الأقلام الصحافية الوطنية، سيما التقدمية منها، من زوابع عصفت بالأوضاع السياسية وهزت كراسي السلطات الغاشمة ازاء حقوق الشعب واستحقاقات المواطنة والوطن، وما كتابات الشبيبي والرصافي والزهاوي والجواهري وبطي والشهرستاني والقائمة تطول الا أمثلة خالدة حية على تاريخ مشرف للنضال المهني الصحافي ومن ثم الوطني لنيل الحقوق المهضومة للشعب العراقي . وفي اعقاب الانعطافة التاريخية في 9/4/2003 انطلق العراق ماردا عملاقا محطما قمقم الاستبداد العفن، فيما انطلقت على أثره وتزامنا معه حناجر العراقيين تملأ صفحات ما يقرب الثلاثمائة صحيفة صدرت في اعقاب الانعطافة المذكورة حملت أوجاع وهواجس وتطلعات شعب كابد محنة حبست انفاسه وذبحت الكثير من رقاب شبابه ردحا قارب الأربعين عاما، واليوم وبعد سبع سنوات على حدوث الانعطافة يطرح المواطن الأسئلة التالية وبكل بساطة: ما الذي قدمته الصحافة له خلال كل تلك السنوات؟ هل نقلت معاناته بصورة واضحة امام المسؤول؟ هل دافعت بنحو سليم عنه وعن حقوقه التي لم تزل تتعرض يوميا للانتهاك او الاستحواذ او اللامبالاة في الأقل؟ليس من شك في ان أوضاعنا العامة كشعب تحرر من ربقة سلطة استبداد فريدة في قسوتها عانينا جميعا اثار جملة من الأخطاء تقع مسؤوليتها على عاتق بعض من قادة الدولة ومفاصل قراراتها من المسؤولين العراقيين طيلة الفترة الماضية في المقام الأول ومن ثم تليهم إدارة بريمر المدنية والسياسة الأميركية في المقام الثاني، ولسنا هنا في حال تحليل الأسباب او النتائج..ولكن لكي نشير الى حقيقة ان الصحافة شأنها شأن مناحي الحياة العراقية الأخرى، تعرضت الى غزو همجي فاضح من الطارئين والخائضين في ميادينها المتنوعة، فضلا عن عدم اكتراث بل وبعض حالات المصادرة او التهديد او القتل(عدد شهداء الصحافة يزيد على250 شهيدا)، ولمس المواطن ان عددا كبيرا من الصحف المتحزبة أو صحف الاثارة المجانية، غادرت شرف المسؤولية الصحافية مبكرا، وليس بخاف عليه أسماء تلك الصحف ورؤساء تحريرها والجهات التي تقوم بتمويلها، الامر الذي جعله يشعر بالخيبة والخذلان الى حد ما، وكاد يبلغ مرحلة اليأس لولا إيمانه بثلة صحافيين شرفاء مكافحين عن حقوقه ولم يكونوا خاضعين لسوق بيع وشراء الأقلام الرخيصة المبتذلة، كما انه لم يفقد الامل بالغد حين رأى صحف معدودة ظلت أمينة على رسالتها المحددة، ونهجها الواضح في خدمة الوطن والمواطن، على رغم تبدل الأحوال.kjamasi59@yahoo.com
مكاشفة: الصحافة وهموم الناس
نشر في: 5 مايو, 2010: 04:55 م