د. فالح الحمـراني
التغييرات الديناميكية في الوضع السياسي التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط في الأسابيع الأخيرة، وخاصة في والعراق ولبنان والغزو التركي لشمال شرقي سوريا وعدوانه على المكون الكردي السوري، جذبت انتباه المحللين.
ونظر محللون مهتمون بإيران في الوضع الحالي من زاوية كيف سيؤثر بدوره على جمهورية إيران الإسلامية وطموحها لنشر نفوذها في المنطقة، ولاسيما فيما يتعلق بتداعيات الاحتجاجات والعمليات التي تجري في كل من البلدان الثلاثة. وتخلص تلك الدراسات بتشكل أوقات صعبة بالنسبة لإيران قد وحان الوقت لها "إعلان الحداد" على خططها التوسعية، وقد حان الوقت للإعلان عن أن مئات المليارات من الدولارات التي أنفقتها طهران في الدول المجاورة بهدف مد النفوذ بمختلف، قد ذهبت سدى.
وأشير في تلك التقارير الى أن الشعب اللبناني خرج إلى الشوارع بشعارات اجتماعية وسياسية، ولم يخاف من الرصاص من الجهاز القمعي. ويمكن رؤية الشيء نفسه اليوم في شوارع المدن العراقية، حيث قتل أكثر من مئة شخص. وترتبت في إيران أيضاً ظروف مشابهة لظروف هذه البلدان العربية إلى حد كبير، فهل كل هذه الدول تنتظر مصيراً واحداً؟
وتدلل تلك التقارير على تلك الاستنتاجات، بالوضع الحالي في كل من الدول الثلاث. وحسب تلك التقارير تشعر إيران بالقلق إزاء الوضع في العراق المجاور لها، حيث يبدو الوضع مثبطًاً للغاية من وجهة نظر مصالح طهران على المدى الطويل. وخرج الملايين من مواطني بلاد الرافدين إلى الشوارع، كما هو الحال في لبنان، مطالبين بإنهاء الرشوة والفساد في أعلى مستويات السلطة. ووفقاً للمحللين، فإن الجانب المهدد لطهران تمثل برفع التجمعات والاحتجاجات المختلفة، شعارات معادية لإيران تُطالب بصوت عالٍ بوضع حد لتدخل طهران في الشؤون الداخلية لبلدهم. وخلال فترة ما بعد الثورة الإسلامية، خصصت إيران مليارات الدولارات لزيادة حضورها المؤثر في العراق وغيره من الدول المجاورة، لكن العراقيين خلال المظاهرات الاحتجاجية الأخيرة أعلنوا بصوت عال، وجوب انحسار النفوذ الإيراني في العراق. حتى في مدينة كربلاء المقدسة، وهي على حد مختلف المعطيات، معقل حقيقي للنفوذ الإيراني، تم تسجيل أكبر عدد من المظاهرات المناهضة لإيران، طالب المشاركون فيها طهران علناً بـ "إزالة قبضتها" عن هذا البلد المستقل.
وفي لبنان، تشير التقارير الى تدفق الناس إلى الشوارع، احتجاجاً على عدم جدوى حكومة سعد الحريري، في حين أن بعض الشعارات التي عبر عنها المتظاهرون موجهة أيضا ضد الأحزاب السياسية بما في ذلك حزب الله الموالي لإيران وأنشطته، لقد وصل الأمر إلى أن زعيم حزب الله، الشيخ حسن نصر الله، أصبح قلقاً للغاية بشأن مستقبل تشكيلاته العسكرية والسياسية وطلب من أعضائه أن يبعدوا بأنفسهم عن الاحتجاجات، ويتجاهلوا مطالبها بتغيير الهيكل السياسي للمجتمع اللبناني وتغيير في الحكومة، ولكن هذا ما حدث بالفعل. ووفقاً لما أشير في التقارير، فإن الشيخ حسن نصر الله مثلا، يقول أن مئات الآلاف من الأشخاص الذين شاركوا في الاحتجاجات في شوارع المدن اللبنانية أرسلهم أعداؤنا، وأنهم عموماً "ليسوا لبنانيين حقيقيين، لذلك، لا يستحق الاهتمام بأي مظاهرة ". ووفقا لزعيم حزب الله يجب على المواطنين أن يكونوا حذرين من الأعداء. وتلاحظ تلك التقارير الى أن حججاً مماثلة فيما يتعلق بأنواع مختلفة من المظاهرات أو أنواع أخرى من الاحتجاجات ظهرت أيضاً في إيران، وفي غضون ذلك، إن لبنان، وفقاً للمحللين هو المكان الذي تمكنت فيه إيران إلى أقصى حد من تنفيذ خططها، ومن غير المرجح أن ترفض بسهولة تقليص نفوذها هناك.
لكن خسائر إيران الأكثر فداحة، وفقاً للمحللين كانت في سوريا. فالمشاركة في محاربة داعش لم تهدف وحسب القضاء على الإرهاب بصوره الوحشية، وإنما لتحقيق أهداف جيو سياسية وبسط النفوذ في المنطقة. ولهذا الغرض تم ضخ مالي ضخم هناك طوال ثماني سنوات من الحرب الأهلية، وذلك لضمان تواجد تشكيلات حرس الثورة الإسلامية، ووحداتها في العمليات العسكرية الأخرى، ودعم القوات السورية على كافة الجبهات. وتجدر الإشارة إلى أن خسائر "فيلق القدس" وحده تجاوزت ألف شخص. وكان الإيرانيون، والقول لتلك التقارير، يأملون في تحويل الأراضي السورية إلى جسر عسكري، وكذلك السيطرة على المجال الإقليمي بأكمله.
ويشير المحللون الى أن الأحداث التي وقعت في الأيام الأخيرة في شمال شرقي سوريا، وإدخال تركيا قواتها في هذه المنطقة قد وضعت الآمال الإيرانية تلك في موضع شك. وبعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال الاجتماع في سوتشي بين رئيسي روسيا وتركيا - فلاديمير بوتين و طيب رجب أردوغان ، يجب على الإيرانيين أن يفضلوا الصمت لأنه من غير الواضح تماماً اليوم كيف عليهم أن يتحركوا في الاتجاه السوري. في الواقع، يكتب المحللون، أن خطوة الرئيس التركي لإنشاء منطقة أمنية بعرض 30 كيلومتراً على الحدود السورية وبلاده جاءت دون سابق إنذار للزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، ولم يتم الإعلان عنها إلا في لقائه بالرئيس الروسي. ولم يقتصر الأمر على عدم استشارة الرئيس الإيراني حسن روحاني حول هذا الموضوع، لكنه لم يبلغه حتى بعد لقائه مع بوتين. في الواقع كما تقول تلك التقارير إن إيران قد أُخرجت من الصيغة الثلاثية لاتخاذ قرار بشأن القضية السورية. وإن الرئيس التركي يلمح في خطواته إلى أنه لا يعتبر الجمهورية الإسلامية جهة فاعلة متساوية مع بلاده في العملية السورية. وهذا، بعد أن اعتبرت إيران نفسها لسنوات عديدة القوة الرئيسة التي تقدم المساعدة لسوريا في جميع مجالات الحياة، وكما تعتقد ، وجدت موقعاً لها هناك. كان لدى إيران هناك العديد من الخطط . لكن الخطوة الأخيرة لروسيا وتركيا توضح بجلاء من هو صاحب القرار، ويمكن تفسير ذلك على النحو التالي: يعتقد الزعيم التركي، الذي تخاصم مع نصف العالم تقريباً، أن بإمكانه اتخاذ خطوة تظهر بوضوح عدم احترامه لطهران. ويتضح ذلك أيضاً من خلال رد فعله على موقف إيران السلبي للغزو التركي لشمال شرقي سوريا. ففي كلمته أمام الرئيس الإيراني، أخبره أردوغان أنه كان ينبغي عليه أن يقوم بتهدئة المعارضين للموقف التركي. وبدلاً من ذلك، أعربت وزارة الخارجية الإيرانية عن استيائها من الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين تركيا وروسيا، قائلة إنه يتعارض مع اتفاقيات عدن، التي أصرت عليها إيران مراراً وتكراراً. وفي الواقع، يمكن اعتبار الخطوة الأخيرة لتركيا هزيمة سياسية لإيران على نطاق إقليمي، وخاصة في ضوء تصريحات المسؤولين الأخيرة في إيران المتفائلة، حول الانتصارات على طريق الهيمنة الإقليمية. وفي دولة عربية أخرى - اليمن – أهدرت إيران الأموال على القوى الموالية لها.
على الرغم من ذلك، كما تشير التقارير تنطلق اليوم من ايران بيانات تعلن الانتصار، وتؤكد إنها قادرة على فرض إرادتها على العالم بأسره، وخاصة الشرق الأوسط، وأنها تمكنت من تركيع الولايات المتحدة، التي لا تجرؤ على الحرب مع إيران، وأن العالم بأسره سيقع في الفخ الذي نصبته جمهورية إيران الإسلامية. وعلى وفق تقديرات المحليين إن كل هذا بعيد كل البعد عن الواقع، مشيرين الى ثمة ناقوس خطر منذ فترة طويلة في داخل إيران، مما يشير إلى أن الوضع الحالي محفوف بالاضطرابات الاجتماعية المأساوية.