د.قاسم حسين صالح
تحليل سيكولوجي
إشكالية شغلتني كما شغلتكم..خلاصتها: كيف يمكن لحاكم إسلامي قتل شعبه؟..أين العلّة ،هل أن الدين الإسلامي قائم على العنف والطغيان والاستبداد؟ أم أن الحاكم الإسلامي،
اعني القيادي في حزب إسلامي سياسي، شخصية سيكوباثية،أو يفهم نفسه إنه امتداد للخلفاء،أو يرى نفسه أنه منتخب ديمقراطياً وإنه يتصرف ضد الشعب بأمر الشعب..والأفظع أنه يقتل أبناء من انتخبه آباؤهم وأوصلوه الى السلطة!..ويكون معظم القتلة ومعظم المقتولين من نفس الطائفة!
ولأن من عادتي أن استطلع الرأي في ظواهر إشكالية كهذه فانني توجهت بالآتي:
(العراق قدّم للعالم في تشرين أول /اكتوبر 2019 حقيقة سيكولوجية:
إن الحاكم الإسلامي يتحول الى طاغية يقتل شعبه
إنْ طالبه بتحقيق العدالة الاجتماعية..رأيك؟
توزعت الآراء على أربعة مواقف:
الأول يعزوها الى طبيعة الدين الإسلامي،إليكم نماذج منها:
·لا عدالة في الدين الإسلامي لأنه طبقي بامتياز فيه الحر والعبد والغني والفقير..
·هذه حقيقة على مر التاريخ، واليوم أكدها الإسلام السياسي في العراق.
·تاريخ الإسلام السياسي شهد على ذلك بحوادث دموية ملأت صفحاته على كل جغرافيا سلطاته،وما يحصل الآن في العراق وبعض دول المنطقة سيضاف الى سجل تلك الحوادث في تاريخها الغابر.
·الإسلام هكذا..متميز بالقتل، الحقائق المعاشة تؤكد ذلك.
·الإسلام السياسي أكبر قوة ظالمة وجائرة على مر العصور ومن يقولها يعتبرونه كافراً وزنديقاً.
· حقيقة ثابتة تاريخياً..الاسلاميون إذا تمكنوا عاثوا في الأرض فساداً وخراباً.
· الحاكم المسلم وعبر التاريخ، طاغية ولص.
الثاني ينفي ذلك عن الدين الإسلامي، ودليله:
· انموذجان في الإسلام يكسران هذه الحقيقة هما حكم الإمام علي وحكم عمر بن عبد العزيز. بالمقابل هناك نماذج حكم غير إسلامية لم تحقق العدالة الإنسانية، مثال ذلك حكم صدام والقذافي.
· من قال إنهم اسلاميون،علينا أن ننصف الإسلام فهو بعيد عن كل ما يجري،وإن سبب الفشل السياسي هو التصرف العلماني لمن يدعي الدين. العلمانية ليست سوى ثورة ضد الكنيسة التي مارست ضدهم الارهاب.أرجو تبرئة الإسلام والإشارة الى الداء الحقيقي.
الثالث يعزوها الى شخصية الحاكم..اليكم نماذج منها:
·وفق تصور الحاكم،إن ما يمارسه حق شرعي وقانوني، إذ إنه يؤمن أن الخروج على طاعته يمثل عصياناً لأوامر الله،وهذا ما يمنحه مبرر استعمال العقاب ضد من يعصونه.وفي ضوء هذا المبرر يتخلص الجلاّد من مشاعر الذنب والإثم،ويمارس كافة أنواع البطش من دون اية قيود معرفية واخلاقية.
·الحاكم الديني يعدّ نفسه ظل الله على الأرض، وأنه معصوم من الخطّأ ، وما يقوله أو يريده هو حق إلهي. وبمرور الزمن تتضخم عنده الأنا الربوبية حتى تنعكس على (القطيع) لأنه يعتمد على تجهيل المجتمع.
الرابع يعزوها الى الشخصية العربية:
·الذهنية العربية السياسية بغض النظر ما اذا كانت إسلامية أو علمانية،هي ذهنية استبدادية..لا تخرج الا بالمسدس ولا تفقه شيئاً عن حقوق الانسان او دور الديمقراطية في تحقيق العدالة الاجتماعية.
·اعتقد ان الشخصية العراقية بكل أصنافها تحمل في داخلها طاغية عدا قلة قليلة .
·الجزائر تتظاهر منذ 37 اسبوعاً ولم يقتل متظاهر واحد بينما في العراق قتل 30 متظاهراً بيوم واحد (25 تشرين).التطرّف وامتلاك الحق الإلهي عند الاحزاب الإسلامية هو السبب.
· نعم غالبية الفاشلين ستكون صهوة الدين لتبرير أفعالهم والحكم منذ أيام الخماهو. ا. د.سلاطنية عبد المالك - الجزائر .
استنتاج:
تعددت الأسباب في تفسيرما حصل،وهذا وارد لأن أية ظاهرة اجتماعية- سياسية- دينية،تتنوع أسبابها وتتعقد،وينجم عن تفاعلها سبب كيفي أيضاً..والمشكلة هنا تكمن في أولويات هذه الأسباب. ونرى إن ظروف الظاهرة، واقع الحدث، العوامل الفاعلة في الموقف..هي التي لها الأولوية في تشخيص ما حصل ويحصل في العراق،وهذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة بتحليل سيكولوجي نستهله الآن بثلاث مؤشرات سيكولوجية:
مؤشر (1) :
الإشكالية السيكوسياسية،إن كل الأشخاص الذين كانوا في الخارج زمن النظام الدكتاتوري،واستلموا السلطة(سلّمت لهم) بعد(2003)،اعتبروا أنفسهم (ضحية)..ومن سيكولوجيا الضحية هذه نشأ لديهم الشعور بـ(الأحقية) في الأستفراد بالسلطة والثروة،معتبرين ملايين العراقيين في الداخل إما موالين لنظام الطاغية أو خانعين..وأنهم،بنظرهم،لا مشروعية لهم بحقوق المواطنة.
مؤشر (2):
شعورهم بـ(الأحقية) دفعهم ،سيكولوجياً،الى أن يعتبروا العراق ملكاً لهم..فتقاسموه تقاسم الغنيمة دون خوف،لأنهم عزلوا أنفسهم لوجستياً ونفسياً بمساحة 10 كيلومترات مربعة،محصنة أمنياً ومهابة بسفارة الدولة التي اسقطت نظام الدكتاتور واعترفت رسمياً بأنها دولة محتلة.
مؤشر (3) :
نجم عن هذه التفاعلات السيكولوجية (تضخّم أنا) و(غطرسة) أسهمت في تحويل الحاكم السياسي الى مستبد.
(يتبع)